فصل
ثغر الأذن
ثم امنعوا
nindex.php?page=treesubj&link=30464_19319_19308_19299ثغر الأذن أن يدخل عليه ما يفسد عليكم الأمر ، فاجتهدوا أن لا تدخلوا منه إلا الباطل ، فإنه خفيف على النفس تستحليه وتستحسنه ، تخيروا له أعذب الألفاظ وأسحرها للألباب ، وامزجوه بما تهوى النفس مزجا .
وألقوا الكلمة فإن رأيتم منه إصغاء إليها فزجوه بأخواتها ، وكلما صادفتم منه استحسان شيء فالهجوا له بذكره ، وإياكم أن يدخل من هذا الثغر شيء من كلام الله أو كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو كلام النصحاء ، فإن غلبتم على ذلك ودخل من ذلك شيء ، فحولوا بينه وبين فهمه وتدبره والتفكر فيه والعظة به ، إما بإدخال ضده عليه ، وإما بتهويل ذلك
[ ص: 99 ] وتعظيمه وأن هذا أمر قد حيل بين النفوس وبينه فلا سبيل لها إليه ، وهو حمل يثقل عليها لا تستقل به ، ونحو ذلك ، وإما بإرخاصه على النفوس ، وأن الاشتغال ينبغي أن يكون بما هو أعلى عند الناس ، وأعز عليهم ، وأغرب عندهم ، وزبونه القابلون له أكثر ، وأما الحق فهو مهجور ، وقائله معرض نفسه للعداوة ، والرابح بين الناس أولى بالإيثار ونحو ذلك ، فتدخلون الباطل عليه في كل قالب يقبله ويخف عليه ، وتخرجون له الحق في كل قالب يكرهه ويثقل عليه .
وإذا شئت أن تعرف ذلك فانظر إلى إخوانهم من شياطين الإنس ، كيف يخرجون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قالب كثرة الفضول ، وتتبع عثرات الناس ، والتعرض من البلاء لما لا يطيق ، وإلقاء الفتن بين الناس ، ونحو ذلك ، ويخرجون اتباع السنة ووصف الرب تعالى بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - في قالب التجسيم والتشبيه والتكييف ، ويسمون علو الله على خلقه واستواءه على عرشه ومباينته لمخلوقاته ، تحيزا ، ويسمون نزوله إلى سماء الدنيا ، وقوله : من يسألني فأعطيه ، تحركا وانتقالا ، ويسمون ما وصف به نفسه من اليد والوجه أعضاء وجوارح ، ويسمون ما يقوم به من أفعاله حوادث ، وما يقوم من صفاته أعراضا ، ثم يتوصلون إلى نفي ما وصف به نفسه بهذه الأمور ، ويوهمون الأغمار وضعفاء البصائر ، أن إثبات الصفات التي نطق بها كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - تستلزم هذه الأمور ، ويخرجون هذا التعطيل في قالب التنزيه والتعظيم ، وأكثر الناس ضعفاء العقول يقبلون الشيء بلفظ ويردونه بعينه بلفظ آخر ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا [ سورة الأنعام : 112 ] فسماه زخرفا ، وهو باطل ، لأن صاحبه يزخرفه ويزينه ما استطاع ، ويلقيه إلى سمع المغرور فيغتر به .
والمقصود : أن الشيطان قد لزم ثغر الأذن ، أن يدخل فيها ما يضر العبد ولا ينفعه ، ويمنع أن يدخل إليها ما ينفعه ، وإن دخل بغير اختياره أفسده عليه .
فَصْلٌ
ثَغْرُ الْأُذُنِ
ثُمَّ امْنَعُوا
nindex.php?page=treesubj&link=30464_19319_19308_19299ثَغْرَ الْأُذُنِ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْكُمُ الْأَمْرَ ، فَاجْتَهِدُوا أَنْ لَا تُدْخِلُوا مِنْهُ إِلَّا الْبَاطِلَ ، فَإِنَّهُ خَفِيفٌ عَلَى النَّفْسِ تَسْتَحْلِيهِ وَتَسْتَحْسِنُهُ ، تَخَيَّرُوا لَهُ أَعْذَبَ الْأَلْفَاظِ وَأَسْحَرَهَا لِلْأَلْبَابِ ، وَامْزِجُوهُ بِمَا تَهْوَى النَّفْسُ مَزْجًا .
وَأَلْقُوا الْكَلِمَةَ فَإِنْ رَأَيْتُمْ مِنْهُ إِصْغَاءً إِلَيْهَا فَزُجُّوهُ بِأَخَوَاتِهَا ، وَكُلَّمَا صَادَفْتُمْ مِنْهُ اسْتِحْسَانَ شَيْءٍ فَالْهَجُوا لَهُ بِذِكْرِهِ ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ هَذَا الثَّغْرِ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ أَوْ كَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ كَلَامِ النُّصَحَاءِ ، فَإِنْ غُلِبْتُمْ عَلَى ذَلِكَ وَدَخَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ، فَحُولُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَهْمِهِ وَتَدَبُّرِهِ وَالتَّفَكُّرِ فِيهِ وَالْعِظَةِ بِهِ ، إِمَّا بِإِدْخَالِ ضِدِّهِ عَلَيْهِ ، وَإِمَّا بِتَهْوِيلِ ذَلِكَ
[ ص: 99 ] وَتَعْظِيمِهِ وَأَنَّ هَذَا أَمْرٌ قَدْ حِيلَ بَيْنَ النُّفُوسِ وَبَيْنَهُ فَلَا سَبِيلَ لَهَا إِلَيْهِ ، وَهُوَ حِمْلٌ يَثْقُلُ عَلَيْهَا لَا تَسْتَقِلُّ بِهِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَإِمَّا بِإِرْخَاصِهِ عَلَى النُّفُوسِ ، وَأَنَّ الِاشْتِغَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَا هُوَ أَعْلَى عِنْدَ النَّاسِ ، وَأَعَزُّ عَلَيْهِمْ ، وَأَغْرَبُ عِنْدَهُمْ ، وَزُبُونُهُ الْقَابِلُونَ لَهُ أَكْثَرُ ، وَأَمَّا الْحَقُّ فَهُوَ مَهْجُورٌ ، وَقَائِلُهُ مُعَرِّضٌ نَفْسَهُ لِلْعَدَاوَةِ ، وَالرَّابِحُ بَيْنَ النَّاسِ أَوْلَى بِالْإِيثَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَتُدْخِلُونَ الْبَاطِلَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ قَالَبٍ يَقْبَلُهُ وَيَخِفُّ عَلَيْهِ ، وَتُخْرِجُونَ لَهُ الْحَقَّ فِي كُلِّ قَالَبٍ يَكْرَهُهُ وَيَثْقُلُ عَلَيْهِ .
وَإِذَا شِئْتَ أَنْ تَعْرِفَ ذَلِكَ فَانْظُرْ إِلَى إِخْوَانِهِمْ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ ، كَيْفَ يُخْرِجُونَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي قَالَبِ كَثْرَةِ الْفُضُولِ ، وَتَتَبُّعِ عَثَرَاتِ النَّاسِ ، وَالتَّعَرُّضِ مِنَ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ ، وَإِلْقَاءِ الْفِتَنِ بَيْنَ النَّاسِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَيُخْرِجُونَ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ وَوَصْفَ الرَّبِّ تَعَالَى بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَالَبِ التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّكْيِيفِ ، وَيُسَمُّونَ عُلُوَّ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَاسْتِوَاءَهُ عَلَى عَرْشِهِ وَمُبَايَنَتَهُ لِمَخْلُوقَاتِهِ ، تَحَيُّزًا ، وَيُسَمُّونَ نُزُولَهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ، وَقَوْلَهُ : مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، تَحَرُّكًا وَانْتِقَالًا ، وَيُسَمُّونَ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الْيَدِ وَالْوَجْهِ أَعْضَاءَ وَجَوَارِحَ ، وَيُسَمُّونَ مَا يَقُومُ بِهِ مِنْ أَفْعَالِهِ حَوَادِثَ ، وَمَا يَقُومُ مِنْ صِفَاتِهِ أَعْرَاضًا ، ثُمَّ يَتَوَصَّلُونَ إِلَى نَفْيِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ ، وَيُوهِمُونَ الْأَغْمَارَ وَضُعَفَاءَ الْبَصَائِرِ ، أَنَّ إِثْبَاتَ الصِّفَاتِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْتَلْزِمُ هَذِهِ الْأُمُورَ ، وَيُخْرِجُونَ هَذَا التَّعْطِيلَ فِي قَالَبِ التَّنْزِيهِ وَالتَّعْظِيمِ ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ ضُعَفَاءُ الْعُقُولِ يَقْبَلُونَ الشَّيْءَ بِلَفْظٍ وَيَرُدُّونَهُ بِعَيْنِهِ بِلَفْظٍ آخَرَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [ سُورَةُ الْأَنْعَامِ : 112 ] فَسَمَّاهُ زُخْرُفًا ، وَهُوَ بَاطِلٌ ، لِأَنَّ صَاحِبَهُ يُزَخْرِفُهُ وَيُزَيِّنُهُ مَا اسْتَطَاعَ ، وَيُلْقِيهِ إِلَى سَمْعِ الْمَغْرُورِ فَيَغْتَرُّ بِهِ .
وَالْمَقْصُودُ : أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ لَزِمَ ثَغْرَ الْأُذُنِ ، أَنْ يُدْخِلَ فِيهَا مَا يَضُرُّ الْعَبْدَ وَلَا يَنْفَعُهُ ، وَيَمْنَعَ أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهَا مَا يَنْفَعُهُ ، وَإِنْ دَخَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أَفْسَدَهُ عَلَيْهِ .