الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

فصل

المعاصي تزيل النعم

ومن عقوبات الذنوب : أنها تزيل النعم ، وتحل النقم ، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ، ولا حلت به نقمة إلا بذنب ، كما قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا رفع إلا بتوبة .

وقد قال تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [ سورة الشورى : 30 ] .

وقال تعالى : ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم [ سورة الأنفال : 53 ] .

فأخبر الله تعالى أنه لا يغير نعمه التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه ، فيغير طاعة الله بمعصيته ، وشكره بكفره ، وأسباب رضاه بأسباب سخطه ، فإذا غير غير عليه ، جزاء وفاقا ، وما ربك بظلام للعبيد .

فإن غير المعصية بالطاعة ، غير الله عليه العقوبة بالعافية ، والذل بالعز .

وقال تعالى : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال [ سورة الرعد : 11 ] .

وفي بعض الآثار الإلهية ، عن الرب تبارك وتعالى أنه قال : وعزتي وجلالي ، لا يكون عبد من عبيدي على ما أحب ، ثم ينتقل عنه إلى ما أكره ، إلا انتقلت له مما يحب إلى ما يكره ، ولا يكون عبد من عبيدي على ما أكره ، فينتقل عنه إلى ما أحب ، إلا انتقلت له مما يكره إلى ما يحب .

وقد أحسن القائل :

إذا كنت في نعمة فارعها فإن الذنوب تزيل النعم [ ص: 75 ]     وحطها بطاعة رب العبا
د فرب العباد سريع النقم

    وإياك والظلم مهما استطع
ت فظلم العباد شديد الوخم     وسافر بقلبك بين الورى
لتبصر آثار من قد ظلم     فتلك مساكنهم بعدهم
شهود عليهم ولا تتهم     وما كان شيء عليهم أض
ر من الظلم وهو الذي قد قصم     فكم تركوا من جنان ومن
قصور وأخرى عليهم أطم     صلوا بالجحيم وفات النعي
م وكان الذي نالهم كالحلم



التالي السابق


الخدمات العلمية