فصل
nindex.php?page=treesubj&link=19653مغالطة النفس حول الأسباب
الأمر الثاني أن يحذر مغالطة نفسه على هذه الأسباب وهذا من أهم الأمور فإن العبد يعرف أن
nindex.php?page=treesubj&link=30531المعصية والغفلة من الأسباب المضرة له في دنياه وآخرته ولا بد ، ولكن تغالطه نفسه بالاتكال على عفو الله ومغفرته تارة ، وبالتسويف بالتوبة والاستغفار باللسان
[ ص: 22 ] تارة ، وبفعل المندوبات تارة ، وبالعلم تارة ، وبالاحتجاج بالقدر تارة ، وبالاحتجاج بالأشباه والنظراء تارة ، وبالاقتداء بالأكابر تارة أخرى .
خطأ في فهم
nindex.php?page=treesubj&link=20010الاستغفار
وكثير من الناس يظن أنه لو فعل ما فعل ثم قال : أستغفر الله ، زال أثر الذنب وراح هذا بهذا ، وقال لي رجل من المنتسبين إلى الفقه : أنا أفعل ما أفعل ثم أقول : سبحان الله وبحمده ، مائة مرة وقد غفر ذلك أجمعه كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949342من قال في يوم سبحان الله وبحمده ، مائة مرة حطت خطاياه ، ولو كانت مثل زبد البحر ، وقال لي آخر من أهل
مكة : نحن إذا فعل أحدنا ما فعل ، اغتسل وطاف بالبيت أسبوعا وقد محي عنه ذلك ، وقال لي آخر : قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949343أذنب عبد ذنبا ، فقال : أي رب أصبت ذنبا فاغفر لي ، فغفر الله ذنبه ، ثم مكث ما شاء الله ، ثم أذنب ذنبا آخر ، فقال : أي رب أصبت ذنبا ، فاغفر لي ، فقال الله عز وجل : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، قد غفرت لعبدي ، فليصنع ما شاء . وقال : أنا لا أشك أن لي ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، وهذا الضرب من الناس قد تعلق بنصوص من الرجاء ، واتكل عليها وتعلق بها بكلتا يديه وإذا عوتب على الخطايا والانهماك فيها ، سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته ونصوص الرجاء ، وللجهال من هذا الضرب من الناس في هذا الباب غرائب وعجائب كقول بعضهم :
وكثر ما استطعت من الخطايا إذا كان القدوم على كريم
وقول الآخر : التنزه من الذنوب جهل بسعة عفو الله .
وقال الآخر : ترك الذنوب جراءة على مغفرة الله واستصغار .
وقال
محمد بن حزم : رأيت بعض هؤلاء يقول في دعائه : اللهم إني أعوذ بك من العصمة .
nindex.php?page=treesubj&link=30498_30458التعلق بالجبر
ومن هؤلاء المغرورين من يتعلق بمسألة الجبر ، وأن العبد لا فعل له البتة ولا اختيار ، وإنما هو مجبور على فعل المعاصي .
التعلق بالإرجاء
ومن هؤلاء من يغتر
nindex.php?page=treesubj&link=28647_28835بمسألة الإرجاء ، وأن الإيمان هو مجرد التصديق ، والأعمال ليست من الإيمان ، وأن إيمان أفسق الناس كإيمان جبريل وميكائيل .
[ ص: 23 ] الخطأ في الحب
ومن هؤلاء
nindex.php?page=treesubj&link=29431_28703من يغتر بمحبة الفقراء والمشايخ والصالحين ، وكثرة التردد إلى قبورهم ، والتضرع إليهم ، والاستشفاع بهم ، والتوسل إلى الله بهم ، وسؤاله بحقهم عليه ، وحرمتهم عنده .
ومنهم من يغتر بآبائه وأسلافه ، وأن لهم عند الله مكانة وصلاحا ، فلا يدعوه أن يخلصوه كما يشاهد في حضرة الملوك ، فإن الملوك تهب لخواصهم ذنوب أبنائهم وأقاربهم ، وإذا وقع أحد منهم في أمر مفظع خلصه أبوه وجده بجاهه ومنزلته .
الاغترار بالله
ومنهم
nindex.php?page=treesubj&link=18880_20005من يغتر بأن الله عز وجل غني عن عذابه ، وعذابه لا يزيد في ملكه شيئا ، ورحمته له لا تنقص من ملكه شيئا ، فيقول : أنا مضطر إلى رحمته ، وهو أغنى الأغنياء ، ولو أن فقيرا مسكينا مضطرا إلى شربة ماء عند من في داره شط يجري لما منعه منها فالله أكرم وأوسع فالمغفرة لا تنقصه شيئا والعقوبة لا تزيد في ملكه شيئا .
nindex.php?page=treesubj&link=20356_29613الاغترار بالفهم الفاسد والقرآن والسنة
ومنهم من يغتر بفهم فاسد فهمه هو وأضرابه من نصوص القرآن والسنة ، فاتكلوا عليه كاتكال بعضهم على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5ولسوف يعطيك ربك فترضى [ سورة الضحى : 55 ] .
قال وهو لا يرضى أن يكون في النار أحد من أمته ، وهذا من أقبح الجهل ، وأبين الكذب عليه ، فإنه يرضى بما يرضى به ربه عز وجل ، والله تعالى يرضيه تعذيب الظلمة والفسقة والخونة والمصرين على الكبائر ، فحاشا رسوله أن يرضى بما لا يرضى به ربه تبارك وتعالى .
وكاتكال بعضهم على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53إن الله يغفر الذنوب جميعا [ سورة الزمر : 53 ]
وهذا أيضا من أقبح الجهل ، فإن الشرك داخل في هذه الآية ، فإنه رأس الذنوب وأساسها ، ولا خلاف أن هذه الآية في حق التائبين ، فإنه يغفر ذنب كل تائب من أي ذنب كان ، ولو كانت الآية في حق غير التائبين لبطلت نصوص الوعيد كلها .
وأحاديث إخراج قوم من الموحدين من النار بالشفاعة .
وهذا إنما أتى صاحبه من قلة علمه وفهمه ، فإنه سبحانه هاهنا عمم وأطلق ، فعلم أنه
[ ص: 24 ] أراد التائبين ، وفي سورة النساء خصص وقيد فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [ سورة النساء : 48 ] ، فأخبر الله سبحانه أنه لا يغفر الشرك ، وأخبر أنه يغفر ما دونه ، ولو كان هذا في حق التائب لم يفرق بين الشرك وغيره ، وكاغترار بعض الجهال بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=6ياأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم [ سورة الانفطار : 66 ] فيقول : كرمه ، وقد يقول بعضهم : إنه لقن المغتر حجته ، وهذا جهل قبيح ، وإنما غره بربه الغرور ، وهو الشيطان ، ونفسه الأمارة بالسوء وجهله وهواه ، وأتى سبحانه بلفظ الكريم وهو السيد العظيم المطاع ، الذي لا ينبغي الاغترار به ، ولا إهمال حقه ، فوضع هذا المغتر الغرور في غير موضعه ، واغتر بمن لا ينبغي الاغترار به .
وكاغترار بعضهم بقوله تعالى في النار :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=15لا يصلاها إلا الأشقى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=16الذي كذب وتولى [ سورة الليل : 15 - 16 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24أعدت للكافرين [ سورة البقرة : 24 ] .
ولم يدر هذا المغتر أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=14فأنذرتكم نارا تلظى هي نار مخصوصة من جملة دركات جهنم ، ولو كانت جميع جهنم فهو سبحانه لم يقل لا يدخلها بل قال
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=15لا يصلاها إلا الأشقى ولا يلزم من عدم صليها ، عدم دخولها ، فإن الصلي أخص من الدخول ، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم .
ثم هذا المغتر لو تأمل الآية التي بعدها ؛ لعلم أنه غير داخل فيها ، فلا يكون مضمونا له أن يجنبها .
وأما قوله في النار
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24أعدت للكافرين ، فقد قال في الجنة :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133أعدت للمتقين [ سورة آل عمران : 133 ] ولا ينافي إعداد النار للكافرين أن يدخلها الفساق والظلمة ، ولا ينافي إعداد الجنة للمتقين أن يدخلها من في قلبه أدنى مثقال ذرة من الإيمان ، ولم يعمل خيرا قط .
[ ص: 25 ] وكاغترار بعضهم على صوم يوم عاشوراء ، أو يوم عرفة ، حتى يقول بعضهم : يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها ، ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر ، ولم يدر هذا المغتر ، أن صوم رمضان ، والصلوات الخمس ، أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ، ويوم عاشوراء ، وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر .
فرمضان إلى رمضان ، والجمعة إلى الجمعة ، لا يقويا على تكفير الصغائر ، إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها ، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر .
فكيف يكفر صوم يوم تطوع كل كبيرة عملها العبد وهو مصر عليها ، غير تائب منها ؟ هذا محال على أنه لا يمتنع أن يكون صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء مكفرا لجميع ذنوب العام على عمومه ، ويكون من نصوص الوعد التي لها شروط وموانع ، ويكون إصراره على الكبائر مانعا من التكفير ، فإذا لم يصر على الكبائر لتساعد الصوم وعدم الإصرار ، وتعاونهما على عموم التكفير ، كما كان رمضان والصلوات الخمس مع اجتناب الكبائر متساعدين متعاونين على تكفير الصغائر مع أنه سبحانه قد قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم [ سورة النساء : 31 ]
فعلم أن جعل الشيء سببا للتكفير لا يمنع أن يتساعد هو وسبب آخر على التكفير ، ويكون التكفير مع اجتماع السببين أقوى وأتم منه مع انفراد أحدهما ، وكلما قويت أسباب التكفير كان أقوى وأتم وأشمل .
nindex.php?page=treesubj&link=20002حسن الظن بالله
وكاتكال بعضهم على قوله - صلى الله عليه وسلم - حاكيا عن ربه "
nindex.php?page=hadith&LINKID=949344أنا عند حسن ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء " يعني ما كان في ظنه فإني فاعله به ، ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الإحسان ، فإن المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده ، ويقبل توبته .
وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه ، وهذا موجود في الشاهد ، فإن العبد الآبق الخارج عن طاعة سيده لا يحسن الظن به ، ولا يجامع وحشة الإساءة إحسان الظن أبدا ، فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته ، وأحسن الناس ظنا بربه أطوعهم له .
كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل .
وكيف يكون محسن الظن بربه من هو شارد عنه ، حال مرتحل في مساخطه وما يغضبه ،
[ ص: 26 ] متعرض للعنته قد هان حقه وأمره عليه فأضاعه ، وهان نهيه عليه فارتكبه وأصر عليه ؟ وكيف يحسن الظن بربه من بارزه بالمحاربة ، وعادى أولياءه ، ووالى أعداءه ، وجحد صفات كماله ، وأساء الظن بما وصف به نفسه ، ووصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - وظن بجهله أن ظاهر ذلك ضلال وكفر ؟ وكيف يحسن الظن بربه من يظن أنه لا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى ولا يرضى ولا يغضب ؟ .
وقد قال الله في حق من شك في تعلق سمعه ببعض الجزئيات ، وهو السر من القول :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=23وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين [ سورة فصلت : 23 ] .
فهؤلاء لما ظنوا أن الله سبحانه لا يعلم كثيرا مما يعملون ، كان هذا إساءة لظنهم بربهم ، فأرداهم ذلك الظن ، وهذا شأن كل من جحد صفات كماله ، ونعوت جلاله ، ووصفه بما لا يليق به ، فإذا ظن هذا أنه يدخله الجنة كان هذا غرورا وخداعا من نفسه ، وتسويلا من الشيطان ، لا إحسان ظن بربه .
فتأمل هذا الموضع ، وتأمل شدة الحاجة إليه ، وكيف يجتمع في قلب العبد تيقنه بأنه ملاق الله ، وأن الله يسمع ويرى مكانه ، ويعلم سره وعلانيته ، ولا يخفى عليه خافية من أمره ، وأنه موقوف بين يديه ، ومسئول عن كل ما عمل ، وهو مقيم على مساخطه مضيع لأوامره ، معطل لحقوقه ، وهو مع هذا يحسن الظن به ، وهل هذا إلا من خدع النفوس ، وغرور الأماني ؟
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=131أبو أمامة بن سهل بن حنيف : دخلت أنا
nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير على
عائشة - رضي الله عنها - فقالت
nindex.php?page=hadith&LINKID=949345لو رأيتما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرض له ، وكانت عندي ستة دنانير ، أو سبعة ، فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أفرقها ، قالت : فشغلني وجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى عافاه الله ، ثم سألني عنها فقال : ما فعلت ؟ أكنت فرقت الستة الدنانير ؟ فقلت : لا والله لقد شغلني وجعك ، قالت فدعا بها ، فوضعها في كفه ، فقال : ما ظن نبي الله لو لقي الله وهذه عنده ؟ وفي لفظ : ما ظن محمد بربه لو لقي الله وهذه عنده .
فيا لله ما ظن أصحاب الكبائر والظلمة بالله إذا لقوه ومظالم العباد عندهم ؟ فإن كان ينفعهم قولهم : حسنا ظنوننا بك ، إنك لن تعذب ظالما ولا فاسقا ، فليصنع العبد ما شاء ، وليرتكب كل ما نهاه الله عنه ، وليحسن ظنه بالله ، فإن النار لا تمسه ، فسبحان الله ! ما يبلغ الغرور بالعبد ، وقد قال
إبراهيم لقومه :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=86أئفكا آلهة دون الله تريدون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=87فما ظنكم برب العالمين [ سورة الصافات : 86 - 87 ] .
[ ص: 27 ] أي ما ظنكم أن يفعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره .
ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن
nindex.php?page=treesubj&link=20002_19803حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه ، فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل ظنه بربه أن يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقبلها منه ، فالذي حمله على العمل حسن الظن ، فكلما حسن ظنه حسن عمله ، وإلا فحسن الظن مع اتباع الهوى عجز ، كما في حديث
الترمذي والمسند من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=75شداد بن أوس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949346الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله .
وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة ، وأما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتى إحسان الظن .
nindex.php?page=treesubj&link=20002_18878الفرق بين حسن الظن والغرور
فإن قيل : بل يتأتى ذلك ، ويكون مستند حسن الظن سعة مغفرة الله ، ورحمته وعفوه وجوده ، وأن رحمته سبقت غضبه ، وأنه لا تنفعه العقوبة ، ولا يضره العفو .
قيل : الأمر هكذا ، والله فوق ذلك وأجل وأكرم وأجود وأرحم ، ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به ، فإنه سبحانه موصوف بالحكمة ، والعزة والانتقام ، وشدة البطش ، وعقوبة من يستحق العقوبة ، فلو كان معول حسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البر والفاجر ، والمؤمن والكافر ، ووليه وعدوه ، فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته وقد باء بسخطه وغضبه ، وتعرض للعنته ، ووقع في محارمه ، وانتهك حرماته ، بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع ، وبدل السيئة بالحسنة ، واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة ، ثم أحسن الظن ، فهذا هو حسن ظن ، والأول غرور ، والله المستعان .
ولا تستطل هذا الفصل ، فإن الحاجة إليه شديدة لكل أحد يفرق بين حسن الظن بالله وبين الغرور به ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=218إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم [ البقرة : 218 ] فجعل هؤلاء أهل الرجاء ، لا البطالين والفاسقين .
[ ص: 28 ] قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=110ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم [ سورة النحل : 110 ] فأخبر سبحانه أنه بعد هذه الأشياء غفور رحيم لمن فعلها ، فالعالم يضع الرجاء مواضعه والجاهل المغتر يضعه في غير مواضعه .
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=19653مُغَالَطَةُ النَّفْسِ حَوْلَ الْأَسْبَابِ
الْأَمْرُ الثَّانِي أَنْ يَحْذَرَ مُغَالَطَةَ نَفْسِهِ عَلَى هَذِهِ الْأَسْبَابِ وَهَذَا مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَعْرِفُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30531الْمَعْصِيَةَ وَالْغَفْلَةَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُضِرَّةِ لَهُ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ وَلَا بُدَّ ، وَلَكِنْ تُغَالِطُهُ نَفْسُهُ بِالِاتِّكَالِ عَلَى عَفْوِ اللَّهِ وَمَغْفِرَتِهِ تَارَةً ، وَبِالتَّسْوِيفِ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ بِاللِّسَانِ
[ ص: 22 ] تَارَةً ، وَبِفِعْلِ الْمَنْدُوبَاتِ تَارَةً ، وَبِالْعِلْمِ تَارَةً ، وَبِالِاحْتِجَاجِ بِالْقَدَرِ تَارَةً ، وَبِالِاحْتِجَاجِ بِالْأَشْبَاهِ وَالنُّظَرَاءِ تَارَةً ، وَبِالِاقْتِدَاءِ بِالْأَكَابِرِ تَارَةً أُخْرَى .
خَطَأٌ فِي فَهْمِ
nindex.php?page=treesubj&link=20010الِاسْتِغْفَارِ
وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ مَا فَعَلَ ثُمَّ قَالَ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، زَالَ أَثَرُ الذَّنْبِ وَرَاحَ هَذَا بِهَذَا ، وَقَالَ لِي رَجُلٌ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْفِقْهِ : أَنَا أَفْعَلُ مَا أَفْعَلُ ثُمَّ أَقُولُ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، مِائَةَ مَرَّةٍ وَقَدْ غُفِرَ ذَلِكَ أَجْمَعُهُ كَمَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949342مَنْ قَالَ فِي يَوْمٍ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ، وَقَالَ لِي آخَرُ مِنْ أَهْلِ
مَكَّةَ : نَحْنُ إِذَا فَعَلَ أَحَدُنَا مَا فَعَلَ ، اغْتَسَلَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا وَقَدْ مُحِيَ عَنْهُ ذَلِكَ ، وَقَالَ لِي آخَرُ : قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949343أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ أَصَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْ لِي ، فَغَفَرَ اللَّهُ ذَنْبَهُ ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ أَصَبْتُ ذَنْبًا ، فَاغْفِرْ لِي ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، فَلْيَصْنَعْ مَا شَاءَ . وَقَالَ : أَنَا لَا أَشُكُّ أَنَّ لِي رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ النَّاسِ قَدْ تَعَلَّقَ بِنُصُوصٍ مِنَ الرَّجَاءِ ، وَاتَّكَلَ عَلَيْهَا وَتَعَلَّقَ بِهَا بِكِلْتَا يَدَيْهِ وَإِذَا عُوتِبَ عَلَى الْخَطَايَا وَالِانْهِمَاكِ فِيهَا ، سَرَدَ لَكَ مَا يَحْفَظُهُ مِنْ سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَنُصُوصِ الرَّجَاءِ ، وَلِلْجُهَّالِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ غَرَائِبُ وَعَجَائِبُ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ :
وَكَثِّرْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الْخَطَايَا إِذَا كَانَ الْقُدُومُ عَلَى كَرِيمٍ
وَقَوْلِ الْآخَرِ : التَّنَزُّهُ مِنَ الذُّنُوبِ جَهْلٌ بِسَعَةِ عَفْوِ اللَّهِ .
وَقَالَ الْآخَرُ : تَرْكُ الذُّنُوبِ جَرَاءَةٌ عَلَى مَغْفِرَةِ اللَّهِ وَاسْتِصْغَارٌ .
وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ : رَأَيْتُ بَعْضَ هَؤُلَاءِ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعِصْمَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=30498_30458التَّعَلُّقُ بِالْجَبْرِ
وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمَغْرُورِينَ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ الْجَبْرِ ، وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا فِعْلَ لَهُ الْبَتَّةَ وَلَا اخْتِيَارَ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَجْبُورٌ عَلَى فِعْلِ الْمَعَاصِي .
التَّعَلُّقُ بِالْإِرْجَاءِ
وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَغْتَرُّ
nindex.php?page=treesubj&link=28647_28835بِمَسْأَلَةِ الْإِرْجَاءِ ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ ، وَالْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَأَنَّ إِيمَانَ أَفْسَقِ النَّاسِ كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ .
[ ص: 23 ] الْخَطَأُ فِي الْحُبِّ
وَمِنْ هَؤُلَاءِ
nindex.php?page=treesubj&link=29431_28703مَنْ يَغْتَرُّ بِمَحَبَّةِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَشَايِخِ وَالصَّالِحِينَ ، وَكَثْرَةِ التَّرَدُّدِ إِلَى قُبُورِهِمْ ، وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِمْ ، وَالِاسْتِشْفَاعِ بِهِمْ ، وَالتَّوَسُّلِ إِلَى اللَّهِ بِهِمْ ، وَسُؤَالِهِ بِحَقِّهِمْ عَلَيْهِ ، وَحُرْمَتِهِمْ عِنْدَهُ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْتَرُّ بِآبَائِهِ وَأَسْلَافِهِ ، وَأَنَّ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَكَانَةً وَصَلَاحًا ، فَلَا يَدَعُوهُ أَنْ يُخَلِّصُوهُ كَمَا يُشَاهِدُ فِي حَضْرَةِ الْمُلُوكِ ، فَإِنَّ الْمُلُوكَ تَهَبُ لِخَوَاصِّهِمْ ذُنُوبَ أَبْنَائِهِمْ وَأَقَارِبِهِمْ ، وَإِذَا وَقَعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي أَمْرٍ مُفْظِعٍ خَلَّصَهُ أَبُوهُ وَجَدُّهُ بِجَاهِهِ وَمَنْزِلَتِهِ .
الِاغْتِرَارُ بِاللَّهِ
وَمِنْهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=18880_20005مَنْ يَغْتَرُّ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ ، وَعَذَابُهُ لَا يَزِيدُ فِي مُلْكِهِ شَيْئًا ، وَرَحْمَتُهُ لَهُ لَا تَنْقُصُ مِنْ مُلْكِهِ شَيْئًا ، فَيَقُولُ : أَنَا مُضْطَرٌّ إِلَى رَحْمَتِهِ ، وَهُوَ أَغْنَى الْأَغْنِيَاءِ ، وَلَوْ أَنَّ فَقِيرًا مِسْكِينًا مُضْطَرًّا إِلَى شَرْبَةِ مَاءٍ عِنْدَ مَنْ فِي دَارِهِ شَطٌّ يَجْرِي لَمَا مَنَعَهُ مِنْهَا فَاللَّهُ أَكْرَمُ وَأَوْسَعُ فَالْمَغْفِرَةُ لَا تَنْقُصُهُ شَيْئًا وَالْعُقُوبَةُ لَا تَزِيدُ فِي مُلْكِهِ شَيْئًا .
nindex.php?page=treesubj&link=20356_29613الِاغْتِرَارُ بِالْفَهْمِ الْفَاسِدِ وَالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْتَرُّ بِفَهْمٍ فَاسِدٍ فَهِمَهُ هُوَ وَأَضْرَابُهُ مِنْ نُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ، فَاتَّكَلُوا عَلَيْهِ كَاتِّكَالِ بَعْضِهِمْ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [ سُورَةُ الضُّحَى : 55 ] .
قَالَ وَهُوَ لَا يَرْضَى أَنْ يَكُونَ فِي النَّارِ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ ، وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ الْجَهْلِ ، وَأَبْيَنِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يَرْضَى بِمَا يَرْضَى بِهِ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُرْضِيهِ تَعْذِيبُ الظَّلَمَةِ وَالْفَسَقَةِ وَالْخَوَنَةِ وَالْمُصِرِّينَ عَلَى الْكَبَائِرِ ، فَحَاشَا رَسُولَهُ أَنْ يَرْضَى بِمَا لَا يَرْضَى بِهِ رَبُّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
وَكَاتِّكَالِ بَعْضِهِمْ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [ سُورَةُ الزُّمَرِ : 53 ]
وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَقْبَحِ الْجَهْلِ ، فَإِنَّ الشِّرْكَ دَاخِلٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، فَإِنَّهُ رَأْسُ الذُّنُوبِ وَأَسَاسُهَا ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي حَقِّ التَّائِبِينَ ، فَإِنَّهُ يَغْفِرُ ذَنْبَ كُلِّ تَائِبٍ مِنْ أَيِّ ذَنْبٍ كَانَ ، وَلَوْ كَانَتِ الْآيَةُ فِي حَقِّ غَيْرِ التَّائِبِينَ لَبَطَلَتْ نُصُوصُ الْوَعِيدِ كُلُّهَا .
وَأَحَادِيثُ إِخْرَاجِ قَوْمٍ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ .
وَهَذَا إِنَّمَا أَتَى صَاحِبَهُ مِنْ قِلَّةِ عِلْمِهِ وَفَهْمِهِ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ هَاهُنَا عَمَّمَ وَأَطْلَقَ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ
[ ص: 24 ] أَرَادَ التَّائِبِينَ ، وَفِي سُورَةِ النِّسَاءِ خَصَّصَ وَقَيَّدَ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 48 ] ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَغْفِرُ مَا دُونَهُ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي حَقِّ التَّائِبِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الشِّرْكِ وَغَيْرِهِ ، وَكَاغْتِرَارِ بَعْضِ الْجُهَّالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=6يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [ سُورَةُ الِانْفِطَارِ : 66 ] فَيَقُولُ : كَرَّمَهُ ، وَقَدْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ : إِنَّهُ لَقَّنَ الْمُغْتَرَّ حُجَّتَهُ ، وَهَذَا جَهْلٌ قَبِيحٌ ، وَإِنَّمَا غَرَّهُ بِرَبِّهِ الْغَرُورُ ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ ، وَنَفْسُهُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ وَجَهْلُهُ وَهَوَاهُ ، وَأَتَى سُبْحَانَهُ بِلَفْظِ الْكَرِيمِ وَهُوَ السَّيِّدُ الْعَظِيمُ الْمُطَاعُ ، الَّذِي لَا يَنْبَغِي الِاغْتِرَارُ بِهِ ، وَلَا إِهْمَالُ حَقِّهِ ، فَوَضَعَ هَذَا الْمُغْتَرُّ الْغَرُورَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، وَاغْتَرَّ بِمَنْ لَا يَنْبَغِي الِاغْتِرَارُ بِهِ .
وَكَاغْتِرَارِ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي النَّارِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=15لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=16الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [ سُورَةُ اللَّيْلِ : 15 - 16 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 24 ] .
وَلَمْ يَدْرِ هَذَا الْمُغْتَرُّ أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=14فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى هِيَ نَارٌ مَخْصُوصَةٌ مِنْ جُمْلَةِ دَرَكَاتِ جَهَنَّمَ ، وَلَوْ كَانَتْ جَمِيعَ جَهَنَّمَ فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَقُلْ لَا يَدْخُلُهَا بَلْ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=15لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ صَلْيِهَا ، عَدَمُ دُخُولِهَا ، فَإِنَّ الصَّلْيَ أَخَصُّ مِنَ الدُّخُولِ ، وَنَفْيُ الْأَخَصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْأَعَمِّ .
ثُمَّ هَذَا الْمُغْتَرُّ لَوْ تَأَمَّلَ الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا ؛ لَعَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهَا ، فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا لَهُ أَنْ يُجَنَّبَهَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي النَّارِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=24أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ، فَقَدْ قَالَ فِي الْجَنَّةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=133أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ : 133 ] وَلَا يُنَافِي إِعْدَادُ النَّارِ لِلْكَافِرِينَ أَنْ يَدْخُلَهَا الْفُسَّاقُ وَالظَّلَمَةُ ، وَلَا يُنَافِي إِعْدَادُ الْجَنَّةِ لِلْمُتَّقِينَ أَنْ يَدْخُلَهَا مَنْ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَلَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ .
[ ص: 25 ] وَكَاغْتِرَارِ بَعْضِهِمْ عَلَى صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ، أَوْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ : يَوْمُ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ الْعَامِ كُلَّهَا ، وَيَبْقَى صَوْمُ عَرَفَةَ زِيَادَةً فِي الْأَجْرِ ، وَلَمْ يَدْرِ هَذَا الْمُغْتَرُّ ، أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ ، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ ، وَهِيَ إِنَّمَا تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهُمَا إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ .
فَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ ، لَا يَقْوَيَا عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ ، إِلَّا مَعَ انْضِمَامِ تَرْكِ الْكَبَائِرِ إِلَيْهَا ، فَيَقْوَى مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ .
فَكَيْفَ يُكَفِّرُ صَوْمُ يَوْمِ تَطَوُّعٍ كُلَّ كَبِيرَةٍ عَمِلَهَا الْعَبْدُ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَيْهَا ، غَيْرُ تَائِبٍ مِنْهَا ؟ هَذَا مُحَالٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ مُكَفِّرًا لِجَمِيعِ ذُنُوبِ الْعَامِ عَلَى عُمُومِهِ ، وَيَكُونُ مِنْ نُصُوصِ الْوَعْدِ الَّتِي لَهَا شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ ، وَيَكُونُ إِصْرَارُهُ عَلَى الْكَبَائِرِ مَانِعًا مِنَ التَّكْفِيرِ ، فَإِذَا لَمْ يُصِرَّ عَلَى الْكَبَائِرِ لِتَسَاعُدِ الصَّوْمِ وَعَدَمِ الْإِصْرَارِ ، وَتَعَاوُنِهِمَا عَلَى عُمُومِ التَّكْفِيرِ ، كَمَا كَانَ رَمَضَانُ وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ مَعَ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ مُتَسَاعِدَيْنِ مُتَعَاوِنَيْنِ عَلَى تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 31 ]
فَعُلِمَ أَنَّ جَعْلَ الشَّيْءِ سَبَبًا لِلتَّكْفِيرِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَتَسَاعَدَ هُوَ وَسَبَبٌ آخَرُ عَلَى التَّكْفِيرِ ، وَيَكُونُ التَّكْفِيرُ مَعَ اجْتِمَاعِ السَّبَبَيْنِ أَقْوَى وَأَتَمَّ مِنْهُ مَعَ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا ، وَكُلَّمَا قَوِيَتْ أَسْبَابُ التَّكْفِيرِ كَانَ أَقْوَى وَأَتَمَّ وَأَشْمَلَ .
nindex.php?page=treesubj&link=20002حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ
وَكَاتِّكَالِ بَعْضِهِمْ عَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاكِيًا عَنْ رَبِّهِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=949344أَنَا عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ " يَعْنِي مَا كَانَ فِي ظَنِّهِ فَإِنِّي فَاعِلُهُ بِهِ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْإِحْسَانِ ، فَإِنَّ الْمُحْسِنَ حَسَنُ الظَّنِّ بِرَبِّهِ أَنْ يُجَازِيَهُ عَلَى إِحْسَانِهِ وَلَا يُخْلِفَ وَعْدَهُ ، وَيَقْبَلَ تَوْبَتَهُ .
وَأَمَّا الْمُسِيءُ الْمُصِرُّ عَلَى الْكَبَائِرِ وَالظُّلْمِ وَالْمُخَالَفَاتِ فَإِنَّ وَحْشَةَ الْمَعَاصِي وَالظُّلْمِ وَالْحَرَامِ تَمْنَعُهُ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِرَبِّهِ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الشَّاهِدِ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ الْخَارِجَ عَنْ طَاعَةِ سَيِّدِهِ لَا يُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ ، وَلَا يُجَامِعُ وَحْشَةَ الْإِسَاءَةِ إِحْسَانُ الظَّنِّ أَبَدًا ، فَإِنَّ الْمُسِيءَ مُسْتَوْحِشٌ بِقَدْرِ إِسَاءَتِهِ ، وَأَحْسَنُ النَّاسِ ظَنًّا بِرَبِّهِ أَطْوَعُهُمْ لَهُ .
كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَحْسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ فَأَحْسَنَ الْعَمَلَ وَإِنَّ الْفَاجِرَ أَسَاءَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ فَأَسَاءَ الْعَمَلَ .
وَكَيْفَ يَكُونُ مُحْسِنُ الظَّنِّ بِرَبِّهِ مَنْ هُوَ شَارِدٌ عَنْهُ ، حَالٌّ مُرْتَحِلٌ فِي مَسَاخِطِهِ وَمَا يُغْضِبُهُ ،
[ ص: 26 ] مُتَعَرِّضٌ لِلَعْنَتِهِ قَدْ هَانَ حَقُّهُ وَأَمْرُهُ عَلَيْهِ فَأَضَاعَهُ ، وَهَانَ نَهْيُهُ عَلَيْهِ فَارْتَكَبَهُ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ ؟ وَكَيْفَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ مَنْ بَارَزَهُ بِالْمُحَارَبَةِ ، وَعَادَى أَوْلِيَاءَهُ ، وَوَالَى أَعْدَاءَهُ ، وَجَحَدَ صِفَاتَ كَمَالِهِ ، وَأَسَاءَ الظَّنَّ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَظَنَّ بِجَهْلِهِ أَنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ ضَلَالٌ وَكُفْرٌ ؟ وَكَيْفَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَأْمُرُ وَلَا يَنْهَى وَلَا يَرْضَى وَلَا يَغْضَبُ ؟ .
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ فِي حَقِّ مَنْ شَكَّ فِي تَعَلُّقِ سَمْعِهِ بِبَعْضِ الْجُزْئِيَّاتِ ، وَهُوَ السِّرُّ مِنَ الْقَوْلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=23وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ سُورَةُ فُصِّلَتْ : 23 ] .
فَهَؤُلَاءِ لَمَّا ظَنُّوا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا يَعْمَلُونَ ، كَانَ هَذَا إِسَاءَةً لِظَنِّهِمْ بِرَبِّهِمْ ، فَأَرْدَاهُمْ ذَلِكَ الظَّنُّ ، وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ مَنْ جَحَدَ صِفَاتِ كَمَالِهِ ، وَنُعُوتَ جَلَالِهِ ، وَوَصَفَهُ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ ، فَإِذَا ظَنَّ هَذَا أَنَّهُ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ كَانَ هَذَا غُرُورًا وَخِدَاعًا مِنْ نَفْسِهِ ، وَتَسْوِيلًا مِنَ الشَّيْطَانِ ، لَا إِحْسَانَ ظَنٍّ بِرَبِّهِ .
فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَوْضِعَ ، وَتَأَمَّلْ شِدَّةَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ ، وَكَيْفَ يَجْتَمِعُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ تَيَقُّنُهُ بِأَنَّهُ مُلَاقٍ اللَّهَ ، وَأَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ وَيَرَى مَكَانَهُ ، وَيَعْلَمُ سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ مِنْ أَمْرِهِ ، وَأَنَّهُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَمَسْئُولٌ عَنْ كُلِّ مَا عَمِلَ ، وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَسَاخِطِهِ مُضَيِّعٌ لِأَوَامِرِهِ ، مُعَطِّلٌ لِحُقُوقِهِ ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ ، وَهَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ خِدَعِ النُّفُوسِ ، وَغُرُورِ الْأَمَانِيِّ ؟
وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=131أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ : دَخَلْتُ أَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16561وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=949345لَوْ رَأَيْتُمَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضٍ لَهُ ، وَكَانَتْ عِنْدِي سِتَّةُ دَنَانِيرَ ، أَوْ سَبْعَةٌ ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُفَرِّقَهَا ، قَالَتْ : فَشَغَلَنِي وَجَعُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى عَافَاهُ اللَّهُ ، ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْهَا فَقَالَ : مَا فَعَلْتِ ؟ أَكُنْتِ فَرَّقَتِ السِّتَّةَ الدَّنَانِيرَ ؟ فَقُلْتُ : لَا وَاللَّهِ لَقَدْ شَغَلَنِي وَجَعُكَ ، قَالَتْ فَدَعَا بِهَا ، فَوَضَعَهَا فِي كَفِّهِ ، فَقَالَ : مَا ظَنُّ نَبِيِّ اللَّهِ لَوْ لَقِيَ اللَّهَ وَهَذِهِ عِنْدَهُ ؟ وَفِي لَفْظٍ : مَا ظَنُّ مُحَمَّدٍ بِرَبِّهِ لَوْ لَقِيَ اللَّهَ وَهَذِهِ عِنْدَهُ .
فَيَا لَلَّهِ مَا ظَنُّ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ وَالظَّلَمَةِ بِاللَّهِ إِذَا لَقَوْهُ وَمَظَالِمُ الْعِبَادِ عِنْدَهُمْ ؟ فَإِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ قَوْلُهُمْ : حَسَّنَّا ظُنُونَنَا بِكَ ، إِنَّكَ لَنْ تُعَذِّبَ ظَالِمًا وَلَا فَاسِقًا ، فَلْيَصْنَعِ الْعَبْدُ مَا شَاءَ ، وَلِيَرْتَكِبْ كُلَّ مَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلِيُحْسِنْ ظَنَّهُ بِاللَّهِ ، فَإِنَّ النَّارَ لَا تَمَسُّهُ ، فَسُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا يَبْلُغُ الْغُرُورُ بِالْعَبْدِ ، وَقَدْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ لِقَوْمِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=86أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=87فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [ سُورَةُ الصَّافَّاتِ : 86 - 87 ] .
[ ص: 27 ] أَيْ مَا ظَنُّكُمْ أَنْ يَفْعَلَ بِكُمْ إِذَا لَقِيتُمُوهُ وَقَدْ عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ .
وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الْمَوْضِعَ حَقَّ التَّأَمُّلِ عَلِمَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20002_19803حُسْنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ هُوَ حُسْنُ الْعَمَلِ نَفْسُهُ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى حُسْنِ الْعَمَلِ ظَنُّهُ بِرَبِّهِ أَنْ يُجَازِيَهُ عَلَى أَعْمَالِهِ وَيُثِيبَهُ عَلَيْهَا وَيَتَقَبَّلَهَا مِنْهُ ، فَالَّذِي حَمَلَهُ عَلَى الْعَمَلِ حُسْنُ الظَّنِّ ، فَكُلَّمَا حَسُنَ ظَنُّهُ حَسُنَ عَمَلُهُ ، وَإِلَّا فَحُسْنُ الظَّنِّ مَعَ اتِّبَاعِ الْهَوَى عَجْزٌ ، كَمَا فِي حَدِيثِ
التِّرْمِذِيِّ وَالْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=75شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949346الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا ، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَحُسْنُ الظَّنِّ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ انْعِقَادِ أَسْبَابِ النَّجَاةِ ، وَأَمَّا مَعَ انْعِقَادِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ فَلَا يَتَأَتَّى إِحْسَانُ الظَّنِّ .
nindex.php?page=treesubj&link=20002_18878الْفَرْقُ بَيْنَ حُسْنِ الظَّنِّ وَالْغُرُورِ
فَإِنْ قِيلَ : بَلْ يَتَأَتَّى ذَلِكَ ، وَيَكُونُ مُسْتَنَدُ حُسْنِ الظَّنِّ سَعَةَ مَغْفِرَةِ اللَّهِ ، وَرَحْمَتِهِ وَعَفْوِهِ وَجُودِهِ ، وَأَنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ ، وَأَنَّهُ لَا تَنْفَعُهُ الْعُقُوبَةُ ، وَلَا يَضُرُّهُ الْعَفْوُ .
قِيلَ : الْأَمْرُ هَكَذَا ، وَاللَّهُ فَوْقَ ذَلِكَ وَأَجَلُّ وَأَكْرَمُ وَأَجْوَدُ وَأَرْحَمُ ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَضَعُ ذَلِكَ فِي مَحِلِّهِ اللَّائِقِ بِهِ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ مَوْصُوفٌ بِالْحِكْمَةِ ، وَالْعِزَّةِ وَالِانْتِقَامِ ، وَشِدَّةِ الْبَطْشِ ، وَعُقُوبَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ ، فَلَوْ كَانَ مُعَوَّلُ حُسْنِ الظَّنِّ عَلَى مُجَرَّدِ صِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ لَاشْتَرَكَ فِي ذَلِكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ، وَالْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ ، وَوَلِيُّهُ وَعَدُّوهُ ، فَمَا يَنْفَعُ الْمُجْرِمَ أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ وَقَدْ بَاءَ بِسُخْطِهِ وَغَضَبِهِ ، وَتَعَرَّضَ لِلَعْنَتِهِ ، وَوَقَعَ فِي مَحَارِمِهِ ، وَانْتَهَكَ حُرُمَاتِهِ ، بَلْ حُسْنُ الظَّنِّ يَنْفَعُ مَنْ تَابَ وَنَدِمَ وَأَقْلَعَ ، وَبَدَّلَ السَّيِّئَةَ بِالْحَسَنَةِ ، وَاسْتَقْبَلَ بَقِيَّةَ عُمُرِهِ بِالْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ ، ثُمَّ أَحْسَنَ الظَّنَّ ، فَهَذَا هُوَ حُسْنُ ظَنٍّ ، وَالْأَوَّلُ غُرُورٌ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
وَلَا تَسْتَطِلْ هَذَا الْفَصْلَ ، فَإِنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهِ شَدِيدَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ وَبَيْنَ الْغُرُورِ بِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=218إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ الْبَقَرَةِ : 218 ] فَجَعَلَ هَؤُلَاءِ أَهْلَ الرَّجَاءِ ، لَا الْبَطَّالِينَ وَالْفَاسِقِينَ .
[ ص: 28 ] قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=110ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [ سُورَةُ النَّحْلِ : 110 ] فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ بَعْدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِمَنْ فَعَلَهَا ، فَالْعَالِمُ يَضَعُ الرَّجَاءَ مَوَاضِعَهُ وَالْجَاهِلُ الْمُغْتَرُّ يَضَعُهُ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهِ .