[ ص: 211 ] فصل
nindex.php?page=treesubj&link=19458_29562عشق اللوطية
والطائفة الثانية ، الذين حكى الله عنهم العشق : هم اللوطية كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=67وجاء أهل المدينة يستبشرون nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=68قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=69واتقوا الله ولا تخزون nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=70قالوا أولم ننهك عن العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=71قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=72لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون [ سورة الحجر : 67 - 72 ] .
فهذه الأمة عشقت فحكاه سبحانه عن طائفتين ، عشق كل منهما ما حرم عليه من الصور ، ولم يبال بما في عشقه من الضرر .
وهذا داء أعيا الأطباء دواؤه ، وعز عليهم شفاؤه ، وهو والله الداء العضال ، والسم القتال ، الذي ما علق بقلب إلا وعز على الورى خلاصه من إساره ، ولا اشتعلت ناره في مهجة إلا وصعب على الخلق تخليصها من ناره .
وهو أقسام :
تارة يكون كفرا : لمن اتخذ معشوقه ندا يحبه كما يحب الله ، فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه ؟ فهذا عشق لا يغفر لصاحبه ، فإنه من أعظم الشرك ، والله لا يغفر أن يشرك به ، وإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك .
nindex.php?page=treesubj&link=29562وعلامة العشق الشركي الكفري : أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على ربه ، وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحظه ، وحق ربه وطاعته ، قدم حق معشوقه على حق ربه ، وآثر رضاه على رضاه ، وبذل له أنفس ما يقدر عليه ، وبذل لربه - إن بذل - أردأ ما عنده ، واستفرغ وسعه في مرضاة معشوقه وطاعته والتقرب إليه ، وجعل لربه - إن أطاعه - الفضلة التي تفضل معشوقه من ساعاته .
فتأمل حال أكثر
nindex.php?page=treesubj&link=29562عشاق الصور تجدها مطابقة لذلك ، ثم ضع حالهم في كفة ، وتوحيدهم وإيمانهم في كفة ، ثم زن وزنا يرضى الله به ورسوله ويطابق العدل ، وربما صرح العاشق منهم بأن وصل معشوقه أحب إليه من توحيد ربه ، كما قال العاشق الخبيث :
يترشفن من فمي رشفات هن أحلى فيه من التوحيد
وكما صرح الخبيث الآخر أن وصل معشوقه أشهى إليه من رحمة ربه ، وقد مر .
[ ص: 212 ] بلا ريب إن هذا العشق من أعظم الشرك ، وكثير منهم يصرح بأنه لم يبق في قلبه موضع لغير معشوقه ألبتة ، بل قد ملك عليه قلبه كله فصار عبدا محضا من كل وجه لمعشوقه ، فقد رضي هذا من عبودية الخالق جل جلاله بعبودية مخلوق مثله : فإن العبودية هي كمال الحب والخضوع ، وهذا قد استفرغ قوة حبه وخضوعه وذله لمعشوقه فقد أعطاه حقيقة العبودية .
ولا نسبة بين مفسدة هذا الأمر العظيم ومفسدة الفاحشة ، فإن تلك ذنب كبير لفاعله حكم أمثاله ، ومفسدة هذا العشق مفسدة الشرك ، وكان بعض الشيوخ من العارفين يقول : لأن أبتلى بالفاحشة مع تلك الصورة أحب إلي من أن أبتلى فيها بعشق يتعبد لها قلبي ويشغله عن الله .
[ ص: 211 ] فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=19458_29562عِشْقُ اللُّوطِيَّةِ
وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ ، الَّذِينَ حَكَى اللَّهُ عَنْهُمُ الْعِشْقَ : هُمُ اللُّوطِيَّةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=67وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=68قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=69وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=70قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=71قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=72لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [ سُورَةُ الْحِجْرِ : 67 - 72 ] .
فَهَذِهِ الْأُمَّةُ عَشِقَتْ فَحَكَاهُ سُبْحَانَهُ عَنْ طَائِفَتَيْنِ ، عَشِقَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنَ الصُّوَرِ ، وَلَمْ يُبَالِ بِمَا فِي عِشْقِهِ مِنَ الضَّرَرِ .
وَهَذَا دَاءٌ أَعْيَا الْأَطِبَّاءَ دَوَاؤُهُ ، وَعَزَّ عَلَيْهِمْ شِفَاؤُهُ ، وَهُوَ وَاللَّهِ الدَّاءُ الْعُضَالُ ، وَالسُّمُّ الْقَتَّالُ ، الَّذِي مَا عَلِقَ بِقَلْبٍ إِلَّا وَعَزَّ عَلَى الْوَرَى خَلَاصُهُ مِنْ إِسَارِهِ ، وَلَا اشْتَعَلَتْ نَارُهُ فِي مُهْجَةٍ إِلَّا وَصَعُبَ عَلَى الْخَلْقِ تَخْلِيصُهَا مِنْ نَارِهِ .
وَهُوَ أَقْسَامٌ :
تَارَةً يَكُونُ كُفْرًا : لِمَنِ اتَّخَذَ مَعْشُوقَهُ نِدًّا يُحِبُّهُ كَمَا يُحِبُّ اللَّهَ ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ مَحَبَّتُهُ أَعْظَمَ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ فِي قَلْبِهِ ؟ فَهَذَا عِشْقٌ لَا يُغْفَرُ لِصَاحِبِهِ ، فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الشِّرْكِ ، وَاللَّهُ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ، وَإِنَّمَا يَغْفِرُ بِالتَّوْبَةِ الْمَاحِيَةِ مَا دُونُ ذَلِكَ .
nindex.php?page=treesubj&link=29562وَعَلَامَةُ الْعِشْقِ الشَّرِكِيِّ الْكُفْرِيِّ : أَنْ يُقَدِّمَ الْعَاشِقُ رِضَاءَ مَعْشُوقِهِ عَلَى رَبِّهِ ، وَإِذَا تَعَارَضَ عِنْدَهُ حَقُّ مَعْشُوقِهِ وَحَظُّهُ ، وَحَقُّ رَبِّهِ وَطَاعَتُهُ ، قَدَّمَ حَقَّ مَعْشُوقِهِ عَلَى حَقِّ رَبِّهِ ، وَآثَرَ رِضَاهُ عَلَى رِضَاهُ ، وَبَذَلَ لَهُ أَنْفَسَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَبَذَلَ لِرَبِّهِ - إِنْ بَذَلَ - أَرْدَأَ مَا عِنْدَهُ ، وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي مَرْضَاةِ مَعْشُوقِهِ وَطَاعَتِهِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ ، وَجَعَلَ لِرَبِّهِ - إِنْ أَطَاعَهُ - الْفَضْلَةَ الَّتِي تَفَضَّلَ مَعْشُوقُهُ مِنْ سَاعَاتِهِ .
فَتَأَمَّلْ حَالَ أَكْثَرِ
nindex.php?page=treesubj&link=29562عُشَّاقِ الصُّوَرِ تَجِدْهَا مُطَابِقَةً لِذَلِكَ ، ثُمَّ ضَعْ حَالَهُمْ فِي كِفَّةٍ ، وَتَوْحِيدَهُمْ وَإِيمَانَهُمْ فِي كِفَّةٍ ، ثُمَّ زِنْ وَزْنًا يَرْضَى اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَيُطَابِقُ الْعَدْلَ ، وَرُبَّمَا صَرَّحَ الْعَاشِقُ مِنْهُمْ بِأَنَّ وَصْلَ مَعْشُوقِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ رَبِّهِ ، كَمَا قَالَ الْعَاشِقُ الْخَبِيثُ :
يَتَرَشَّفْنَ مِنْ فَمِي رَشَفَاتٍ هُنَّ أَحْلَى فِيهِ مِنَ التَّوْحِيدِ
وَكَمَا صَرَّحَ الْخَبِيثُ الْآخَرُ أَنَّ وَصْلَ مَعْشُوقِهِ أَشْهَى إِلَيْهِ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ ، وَقَدْ مَرَّ .
[ ص: 212 ] بِلَا رَيْبٍ إِنَّ هَذَا الْعِشْقَ مِنْ أَعْظَمِ الشِّرْكِ ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِهِ مَوْضِعٌ لِغَيْرِ مَعْشُوقِهِ أَلْبَتَّةَ ، بَلْ قَدْ مَلَكَ عَلَيْهِ قَلْبَهُ كُلَّهُ فَصَارَ عَبْدًا مَحْضًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِمَعْشُوقِهِ ، فَقَدْ رَضِيَ هَذَا مِنْ عُبُودِيَّةِ الْخَالِقِ جَلَّ جَلَالُهُ بِعُبُودِيَّةِ مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ : فَإِنَّ الْعُبُودِيَّةَ هِيَ كَمَالُ الْحُبِّ وَالْخُضُوعِ ، وَهَذَا قَدِ اسْتَفْرَغَ قُوَّةَ حُبِّهِ وَخُضُوعِهِ وَذُلِّهِ لِمَعْشُوقِهِ فَقَدْ أَعْطَاهُ حَقِيقَةَ الْعُبُودِيَّةِ .
وَلَا نِسْبَةَ بَيْنَ مَفْسَدَةِ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ وَمَفْسَدَةِ الْفَاحِشَةِ ، فَإِنَّ تِلْكَ ذَنْبٌ كَبِيرٌ لِفَاعِلِهِ حُكْمُ أَمْثَالِهِ ، وَمَفْسَدَةُ هَذَا الْعِشْقِ مَفْسَدَةُ الشِّرْكِ ، وَكَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنَ الْعَارِفِينَ يَقُولُ : لَأَنْ أُبْتَلَى بِالْفَاحِشَةِ مَعَ تِلْكَ الصُّورَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبْتَلَى فِيهَا بِعِشْقٍ يَتَعَبَّدُ لَهَا قَلْبِي وَيَشْغَلُهُ عَنِ اللَّهِ .