فصل
عشق الصور
ونختم الجواب بفصل متعلق
nindex.php?page=treesubj&link=29562بعشق الصور وما فيه من المفاسد العاجلة والآجلة ، وإن كانت أضعاف ما ذكره ذاكر ، فإنه يفسد القلب بالذات ، وإذا فسد القلب ؛ فسدت الإرادات والأقوال والأعمال ، وفسد ثغر التوحيد كما تقدم ، وكما سنقرره أيضا إن شاء الله تعالى .
والله سبحانه وتعالى إنما حكى هذا المرض عن طائفتين من الناس ، وهم اللوطية والنساء ، فأخبر عن
nindex.php?page=treesubj&link=31899عشق امرأة العزيز ليوسف ، وما راودته وكادته به ، وأخبر عن
nindex.php?page=treesubj&link=31899_31897_19572_19513الحال التي صار إليها يوسف بصبره وعفته وتقواه ، مع أن الذي ابتلي به أمر لا يصبر عليه إلا من صبره
[ ص: 209 ] الله ، فإن مواقعة الفعل بحسب قوة الداعي وزوال المانع ، وكان الداعي هاهنا في غاية القوة ، وذلك من وجوه :
أحدها : ما ركبه الله سبحانه في طبع الرجل من ميله إلى المرأة ، كما يميل العطشان إلى الماء ، والجائع إلى الطعام ، حتى إن كثيرا من الناس يصبر عن الطعام والشراب ولا يصبر عن النساء ، وهذا لا يذم إذا صادف حلالا ، بل يحمد كما في كتاب الزهد
nindex.php?page=showalam&ids=12251للإمام أحمد من حديث
يوسف بن عطية الصفار عن
nindex.php?page=showalam&ids=15603ثابت البناني عن
أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949545حبب إلي من دنياكم النساء والطيب ، أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عنهن .
الثاني : أن
يوسف عليه السلام كان شابا ، وشهوة الشباب وحدته أقوى .
الثالث : أنه كان عزبا ، ليس له زوجة ولا سرية تكسر شدة الشهوة .
الرابع : أنه كان في بلاد غربة ، يتأتى للغريب فيها من قضاء الوطر ما لا يتأتى له في وطنه وبين أهله ومعارفه .
الخامس : أن المرأة كانت ذات منصب وجمال ، بحيث إن كل واحد من هذين الأمرين يدعو إلى مواقعتها .
السادس : أنها غير ممتنعة ولا آبية ، فإن كثيرا من الناس يزيل رغبته في المرأة إباؤها وامتناعها ، لما يجد في نفسه من ذل الخضوع والسؤال لها ، وكثير من الناس يزيده الإباء والامتناع إرادة وحبا ، كما قال الشاعر :
وزادني كلفا في الحب أن منعت أحب شيء إلى الإنسان ما منعا
فطباع الناس مختلفة ، فمنهم من يتضاعف حبه عند بذل المرأة ورغبتها ، ويضمحل عند إبائها وامتناعها ، وأخبرني بعض القضاة أن إرادته وشهوته تضمحل عند امتناع امرأته أو سريته وإبائها ، بحيث لا يعاودها ، ومنهم من يتضاعف حبه وإرادته بالمنع فيشتد شوقه كلما منع ، ويحصل له من اللذة بالظفر بالضد بعد امتناعه ونفاره ، واللذة بإدراك المسألة بعد استصعابها ، وشدة الحرص على إدراكها .
السابع : أنها طلبت وأرادت وبذلت الجهد ، فكفته مؤنة الطلب وذل الرغبة إليها ، بل كانت هي الراغبة الذليلة ، وهو العزيز المرغوب إليه .
الثامن : أنه في دارها ، وتحت سلطانها وقهرها ، بحيث يخشى إن لم يطاوعها من أذاها له ، فاجتمع داعي الرغبة والرهبة .
[ ص: 210 ]
التاسع : أنه لا يخشى أن تنم عليه هي ولا أحد من جهتها ، فإنها هي الطالبة الراغبة ، وقد غلقت الأبواب وغيبت الرقباء .
العاشر : أنه كان في الظاهر مملوكا لها في الدار ، بحيث يدخل ويخرج ويحضر معها ولا ينكر عليه ، وكان الأنس سابقا على الطلب وهو من أقوى الدواعي ، كما قيل لامرأة شريفة من أشراف العرب : ما حملك على الزنى ؟ قالت : قرب الوساد ، وطول السواد ، تعني قرب وساد الرجل من وسادتي ، وطول السواد بيننا .
الحادي عشر : أنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال ، فأرته إياهن ، وشكت حالها إليهن ؛ لتستعين بهن عليه ، واستعان هو بالله عليهن ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=33وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين [ سورة يوسف : 33 ] .
الثاني عشر : أنها توعدته بالسجن والصغار ، وهذا نوع إكراه ، إذ هو تهديد من يغلب على الظن وقوع ما هدد به ، فيجتمع داعي الشهوة ، وداعي السلامة من ضيق السجن والصغار .
الثالث عشر : أن الزوج لم يظهر منه الغيرة والنخوة ما يفرق به بينهما ، ويبعد كلا منهما عن صاحبه ، بل كان غاية ما قابلها به أن قال
ليوسف :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=29أعرض عن هذا وللمرأة :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=29واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين وشدة الغيرة للرجل من أقوى الموانع ، وهنا لم يظهر منه غيرة .
ومع هذه الدواعي كلها فآثر مرضاة الله وخوفه ، وحمله حبه لله على أن اختار السجن على الزنى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=33قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه [ سورة يوسف : 33 ] .
وعلم أنه لا يطيق صرف ذلك عن نفسه ، وأن ربه تعالى إن لم يعصمه ويصرف عنه كيدهن ؛ صبا إليهن بطبعه ، وكان من الجاهلين ، وهذا من كمال معرفته بربه وبنفسه .
وفي هذه القصة من العبر والفوائد والحكم ما يزيد على الألف فائدة ، لعلنا إن وفق الله أن نفردها في مصنف مستقل .
فَصْلٌ
عِشْقُ الصُّوَرِ
وَنَخْتِمُ الْجَوَابَ بِفَصْلٍ مُتَعَلِّقٍ
nindex.php?page=treesubj&link=29562بِعِشْقِ الصُّوَرِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَضْعَافَ مَا ذَكَرَهُ ذَاكِرٌ ، فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْقَلْبَ بِالذَّاتِ ، وَإِذَا فَسَدَ الْقَلْبُ ؛ فَسَدَتِ الْإِرَادَاتُ وَالْأَقْوَالُ وَالْأَعْمَالُ ، وَفَسَدَ ثَغْرُ التَّوْحِيدِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَكَمَا سَنُقَرِّرُهُ أَيْضًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنَّمَا حَكَى هَذَا الْمَرَضَ عَنْ طَائِفَتَيْنِ مِنَ النَّاسِ ، وَهُمُ اللُّوطِيَّةُ وَالنِّسَاءُ ، فَأَخْبَرَ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=31899عِشْقِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ لِيُوسُفَ ، وَمَا رَاوَدَتْهُ وَكَادَتْهُ بِهِ ، وَأَخْبَرَ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=31899_31897_19572_19513الْحَالِ الَّتِي صَارَ إِلَيْهَا يُوسُفُ بِصَبْرِهِ وَعِفَّتِهِ وَتَقْوَاهُ ، مَعَ أَنَّ الَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ أَمْرٌ لَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ صَبَّرَهُ
[ ص: 209 ] اللَّهُ ، فَإِنَّ مُوَاقَعَةَ الْفِعْلِ بِحَسَبِ قُوَّةِ الدَّاعِي وَزَوَالِ الْمَانِعِ ، وَكَانَ الدَّاعِي هَاهُنَا فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : مَا رَكَّبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي طَبْعِ الرَّجُلِ مِنْ مَيْلِهِ إِلَى الْمَرْأَةِ ، كَمَا يَمِيلُ الْعَطْشَانُ إِلَى الْمَاءِ ، وَالْجَائِعُ إِلَى الطَّعَامِ ، حَتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَصْبِرُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَا يَصْبِرُ عَنِ النِّسَاءِ ، وَهَذَا لَا يُذَمُّ إِذَا صَادَفَ حَلَالًا ، بَلْ يُحْمَدُ كَمَا فِي كِتَابِ الزُّهْدِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ
يُوسُفَ بْنِ عَطِيَّةَ الصِّفَارِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15603ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ
أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949545حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ ، أَصْبِرُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَا أَصْبِرُ عَنْهُنَّ .
الثَّانِي : أَنَّ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ شَابًّا ، وَشَهْوَةُ الشَّبَابِ وَحِدَّتُهُ أَقْوَى .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ كَانَ عَزَبَا ، لَيْسَ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَا سُرِّيَّةٌ تَكْسِرُ شِدَّةَ الشَّهْوَةِ .
الرَّابِعُ : أَنَّهُ كَانَ فِي بِلَادِ غُرْبَةٍ ، يَتَأَتَّى لِلْغَرِيبِ فِيهَا مِنْ قَضَاءِ الْوَطَرِ مَا لَا يَتَأَتَّى لَهُ فِي وَطَنِهِ وَبَيْنَ أَهْلِهِ وَمَعَارِفِهِ .
الْخَامِسُ : أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ ذَاتَ مَنْصِبٍ وَجِمَالٍ ، بِحَيْثُ إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ يَدْعُو إِلَى مُوَاقَعَتِهَا .
السَّادِسُ : أَنَّهَا غَيْرُ مُمْتَنِعَةٍ وَلَا آبِيَةٍ ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يُزِيلُ رَغْبَتَهُ فِي الْمَرْأَةِ إِبَاؤُهَا وَامْتِنَاعُهَا ، لِمَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذُلِّ الْخُضُوعِ وَالسُّؤَالِ لَهَا ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَزِيدُهُ الْإِبَاءُ وَالِامْتِنَاعُ إِرَادَةً وَحُبًّا ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
وَزَادَنِي كَلَفًا فِي الْحُبِّ أَنْ مَنَعَتْ أَحَبُّ شَيْءٍ إِلَى الْإِنْسَانِ مَا مَنَعَا
فَطِبَاعُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَضَاعَفُ حُبُّهُ عِنْدَ بَذْلِ الْمَرْأَةِ وَرَغْبَتِهَا ، وَيَضْمَحِلُّ عِنْدَ إِبَائِهَا وَامْتِنَاعِهَا ، وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ الْقُضَاةِ أَنَّ إِرَادَتَهُ وَشَهْوَتَهُ تَضْمَحِلُّ عِنْدَ امْتِنَاعِ امْرَأَتِهِ أَوْ سُرِّيَّتِهِ وَإِبَائِهَا ، بِحَيْثُ لَا يُعَاوِدُهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَضَاعَفُ حُبُّهُ وَإِرَادَتُهُ بِالْمَنْعِ فَيَشْتَدُّ شَوْقُهُ كُلَّمَا مُنِعَ ، وَيَحْصُلُ لَهُ مِنَ اللَّذَّةِ بِالظَّفَرِ بِالضِّدِّ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ وَنِفَارِهِ ، وَاللَّذَّةُ بِإِدْرَاكِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ اسْتِصْعَابِهَا ، وَشِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَى إِدْرَاكِهَا .
السَّابِعُ : أَنَّهَا طَلَبَتْ وَأَرَادَتْ وَبَذَلَتِ الْجُهْدَ ، فَكَفَتْهُ مُؤْنَةَ الطَّلَبِ وَذُلَّ الرَّغْبَةِ إِلَيْهَا ، بَلْ كَانَتْ هِيَ الرَّاغِبَةَ الذَّلِيلَةَ ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْمَرْغُوبُ إِلَيْهِ .
الثَّامِنُ : أَنَّهُ فِي دَارِهَا ، وَتَحْتَ سُلْطَانِهَا وَقَهْرِهَا ، بِحَيْثُ يَخْشَى إِنْ لَمْ يُطَاوِعْهَا مِنْ أَذَاهَا لَهُ ، فَاجْتَمَعَ دَاعِي الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ .
[ ص: 210 ]
التَّاسِعُ : أَنَّهُ لَا يَخْشَى أَنْ تَنِمَّ عَلَيْهِ هِيَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ جِهَتِهَا ، فَإِنَّهَا هِيَ الطَّالِبَةُ الرَّاغِبَةُ ، وَقَدْ غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَغَيَّبَتِ الرُّقَبَاءَ .
الْعَاشِرُ : أَنَّهُ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مَمْلُوكًا لَهَا فِي الدَّارِ ، بِحَيْثُ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَحْضُرُ مَعَهَا وَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ ، وَكَانَ الْأُنْسُ سَابِقًا عَلَى الطَّلَبِ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الدَّوَاعِي ، كَمَا قِيلَ لِامْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ : مَا حَمَلَكِ عَلَى الزِّنَى ؟ قَالَتْ : قُرْبُ الْوِسَادِ ، وَطُولُ السَّوَادِ ، تَعْنِي قُرْبَ وِسَادِ الرَّجُلِ مِنْ وِسَادَتِي ، وَطُولَ السَّوَادِ بَيْنَنَا .
الْحَادِيَ عَشَرَ : أَنَّهَا اسْتَعَانَتْ عَلَيْهِ بِأَئِمَّةِ الْمَكْرِ وَالِاحْتِيَالِ ، فَأَرَتْهُ إِيَّاهُنَّ ، وَشَكَتْ حَالَهَا إِلَيْهِنَّ ؛ لِتَسْتَعِينَ بِهِنَّ عَلَيْهِ ، وَاسْتَعَانَ هُوَ بِاللَّهِ عَلَيْهِنَّ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=33وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ [ سُورَةُ يُوسُفَ : 33 ] .
الثَّانِيَ عَشَرَ : أَنَّهَا تَوَعَّدَتْهُ بِالسِّجْنِ وَالصَّغَارِ ، وَهَذَا نَوْعُ إِكْرَاهٍ ، إِذْ هُوَ تَهْدِيدُ مَنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُ مَا هَدَّدَ بِهِ ، فَيَجْتَمِعُ دَاعِي الشَّهْوَةِ ، وَدَاعِي السَّلَامَةِ مِنْ ضِيقِ السِّجْنِ وَالصَّغَارِ .
الثَّالِثَ عَشَرَ : أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ الْغَيْرَةُ وَالنَّخْوَةُ مَا يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَهُمَا ، وَيُبْعِدُ كُلًّا مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ ، بَلْ كَانَ غَايَةَ مَا قَابَلَهَا بِهِ أَنْ قَالَ
لِيُوسُفَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=29أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَلِلْمَرْأَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=29وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ وَشِدَّةُ الْغَيْرَةِ لِلرَّجُلِ مِنْ أَقْوَى الْمَوَانِعِ ، وَهُنَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ غَيْرَةٌ .
وَمَعَ هَذِهِ الدَّوَاعِي كُلِّهَا فَآثَرَ مَرْضَاةَ اللَّهِ وَخَوْفَهُ ، وَحَمَلَهُ حُبُّهُ لِلَّهِ عَلَى أَنِ اخْتَارَ السَّجْنَ عَلَى الزِّنَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=33قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [ سُورَةُ يُوسُفَ : 33 ] .
وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يُطِيقُ صَرْفَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَأَنَّ رَبَّهُ تَعَالَى إِنْ لَمْ يَعْصِمْهُ وَيَصْرِفْ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ؛ صَبَا إِلَيْهِنَّ بِطَبْعِهِ ، وَكَانَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ مَعْرِفَتِهِ بِرَبِّهِ وَبِنَفْسِهِ .
وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنَ الْعِبَرِ وَالْفَوَائِدِ وَالْحِكَمِ مَا يَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ فَائِدَةٍ ، لَعَلَّنَا إِنْ وَفَّقَ اللَّهُ أَنْ نُفْرِدَهَا فِي مُصَنَّفٍ مُسْتَقِلٍّ .