لما ولي عبد الله خراسان استناب بنيسابور محمد بن حميد الطاهري ، فبنى دارا ، وخرج بحائطها في الطريق ، فلما قدمها عبد الله جمع الناس ، وسألهم عن سيرة محمد ، فسكتوا ، فقال بعض الحاضرين : سكوتهم يدل على سوء سيرته ، فعزله عنهم ، وأمره بهدم ما بنى في الطريق .
وكان يقول : ينبغي أن يبذل العلم لأهله وغير أهله ، فإن العلم أمنع لنفسه من أن يصير إلى غير أهله .
وكان يقول : سمن الكيس ، ونبل الذكر لا يجتمعان أبدا .
[ ص: 92 ] وكان له جلساء منهم الفضل بن محمد بن منصور ، فاستحضرهم يوما ، فحضروا ، وتأخر الفضل ، ثم حضر ، فقال له : أبطأت عني ، فقال : كان عندي أصحاب حوائج ، وأردت دخول الحمام ، ( فأمره عبد الله بدخول حمامه ) ، وأحضر عبد الله الرقاع التي في حقه ، فوقع فيها كلها بالإجابة ، وأعادها ، ولم يعلم الفضل .
وخرج من الحمام ، واشتغلوا يومهم ، وبكر أصحاب الرقاع إليه ، فاعتذر إليهم ، فقال بعضهم : أريد رقعتي ، فأخرجها ونظر فيها ، فرأى خط عبد الله فيها ، فنظر في الجميع ، فرأى خطه فيها ، فقال لأصحابه : خذوا رقاعكم ، فقد قضيت حاجاتكم ، واشكروا الأمير دوني ، فما كان لي فيها سبب .
وكان عبد الله أديبا شاعرا ، فمن شعره :
اسم من أهواه اسم حسن فإذا صحفته فهو حسن فإذا أسقطت منه فاءه
، كان نعتا لهواه المختزن فإذا أسقطت منه ياءه
، صار فيه بعض أسباب الفتن فإذا أسقطت منه راءه
، صار شيئا يعتري عند الوسن فإذا أسقطت منه طاءه
، صار منه عيش سكان المدن فسروا هذا فلن يعرفه
، غير من يسبح في بحر الفطن وهذا الاسم هو اسم طريف غلامه
وكان من أكثر الناس بذلا للمال مع علم ، ومعرفة ، وتجربة .
وأكثر الشعراء في مراثيه ، فمن أحسن ما قيل فيه ، وفي ولاية ، أبيه طاهر ، قول أبي الغمر الطبري :
[ ص: 93 ]
فأيامك الأعياد صارت مآتما وساعاتك الصعبات صارت خواشعا
على أننا لم نعتقدك بطاهر وإن كان خطبا يقلق القلب راتعا
وما كنت إلا الشمس غابت وأطلعت على إثرها بدرا على الناس طالعا
( وما كنت إلا الطود زال مكانه وأثبت في مثواه ركنا مدافعا
فلولا التقى قلنا تناسختما معا بديعي معان يفضلان البدائعا
وهي طويلة )