ذكر خروج المشركين إلى بلاد المسلمين بالأندلس
في هذه السنة خرج المجوس من أقاصي بلاد الأندلس في البحر إلى بلاد المسلمين ، وكان ظهورهم في ذي الحجة سنة تسع وعشرين ، عند أشبونة ، فأقاموا ثلاثة عشر يوما ، بينهم وبين المسلمين بها وقائع ، ثم ساروا إلى قادس ، ثم إلى شدونة ، فكان بينهم وبين المسلمين بها وقائع .
ثم ساروا إلى إشبيلية ثامن المحرم ، فنزلوا على اثني عشر فرسخا منها ، فخرج إليهم كثير من المسلمين ، فالتقوا ، فانهزم المسلمون ثاني عشر المحرم ، وقتل كثير منهم .
ثم نزلوا على ميلين من إشبيلية ، فخرج أهلها إليهم ، وقاتلوهم ، فانهزم المسلمون رابع عشر المحرم ، وكثر القتل والأسر فيهم ، ولم ترفع المجوس السيف عن أحد ، ولا عن دابة ، ودخلوا حاجز إشبيلية وأقاموا به يوما وليلة ، وعادوا إلى مراكبهم .
وأقام عسكر عبد الرحمن ، صاحب البلاد ، مع عدة من القواد ، فتبادر إليهم المجوس ، فثبت المسلمون ، وقاتلوهم ، فقتل من المشركين سبعون رجلا وانهزموا ، حتى [ ص: 94 ] دخلوا مراكبهم ، وأحجم المسلمون عنهم ، فسمع عبد الرحمن ، فسير جيشا آخر غيرهم ، فقاتلوا المجوس قتالا شديدا ، فرجع المجوس عنهم ، فتبعهم العسكر ثاني ربيع الأول ، وقاتلوهم ، وأتاهم المدد من كل ناحية ، ونهضوا لقتال المجوس من كل جانب ، فخرج إليهم المجوس وقاتلوهم ، فكاد المسلمون ينهزمون ، ثم ثبتوا ، فترجل كثير منهم ، فانهزم المجوس ، وقتل نحو خمس مائة رجل ، وأخذوا منهم أربعة مراكب ، فأخذوا ما فيها ، وأحرقوها ، وبقوا أياما لا يصلون إلى المجوس ، لأنهم في مراكبهم .
ثم خرج المجوس إلى لبلة ، فأصابوا سبيا ، ثم نزل المجوس إلى جزيرة قريب قوريس ، فنزلوها ، وقسموا ما كان معهم من الغنيمة ، فحمي المسلمون ، ودخلوا إليهم في النهر ، فقتلوا من المجوس رجلين ، ثم رحل المجوس فطرقوا شدونة فغنموا طعمة وسبيا ، وأقاموا يومين .
ثم وصلت مراكب لعبد الرحمن ، صاحب الأندلس ، إلى إشبيلية ، فلما أحس بها المجوس لحقوا بلبلة ، فأغاروا ، وسبوا ، ثم لحقوا بأكشونية ، ثم مضوا إلى باجة ، ثم انتقلوا إلى مدينة أشبونة ، ثم ساروا ، فانقطع خبرهم عن البلاد ، فسكن الناس .
وقد ذكر بعض مؤرخي العرب سنة ست وأربعين خروج المجوس إلى إشبيلية أيضا ، وهي شبيهة بهذه ، ثم فلا أعلمه أهي هذه ، وقد اختلفوا في وقتها ، أم هي غيرها ، وما أقرب أن تكون هي إياها ، وقد ذكرتها هناك لأن في كل واحدة منهما شيئا في الأخرى .