ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33798أول خروج صاحب الزنج
وفي شوال خرج في فرات البصرة رجل ، وزعم أنه
علي بن محمد بن أحمد [ بن علي ] بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، وجمع
الزنج الذين كانوا يسكنون
السباخ ، وعبر
دجلة ، فنزل
الديناري .
قال
أبو جعفر : وكان اسمه ، فيما ذكر ،
علي بن محمد بن عبد الرحيم ، ونسبه في
عبد القيس ، وأمه
ابنة علي بن رحيب بن محمد بن حكيم ( من
بني أسد بن خزيمة من قرى
الري ، وكان يقول : جدي
محمد بن حكيم ) من أهل
الكوفة أحد الخارجين على
nindex.php?page=showalam&ids=17243هشام بن عبد الملك مع
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي بن الحسين ، فلما قتل
زيد هرب فلحق
بالري ، فجاء إلى قرية
ورزنين وأقام بها .
وإن أبا أبيه
عبد الرحيم رجل من عبد القيس ، كان مولده
بالطالقان ، وقدم
العراق ، واشترى جارية سندية ، وأولدها
محمدا أباه ، وكان متصلا قبل بجماعة من حاشية
المنتصر ، منهم
غانم الشطرنجي ،
وسعيد الصغير ، وكان معاشه منهم ومن أصحاب السلطان ، وكان يمدحهم ويستميحهم بشعره ، ( منهم ، ومن غيرهم ) .
ثم إنه شخص من
سامرا سنة تسع وأربعين ومائتين إلى
البحرين ، فادعى بها أنه
[ ص: 264 ] علي بن عبد الله بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب ، ودعا الناس بهجر إلى طاعته ، فاتبعه جماعة كثيرة من أهلها ومن غيرهم ، فجرى بين الطائفتين عصبية قتل فيها جماعة .
وكان أهل
البحرين قد أحلوه بمحل نبي ، وجبى الخراج ، ونفذ فيهم حكمه ، وقاتلوا أصحاب السلطان بسببه ، فوتر منهم جماعة ، فتنكروا له ، فانتقل عنهم إلى
الأحساء ، ونزل على قوم من
بني سعد بن تميم ، يقال لهم :
بنو الشماس ، وأقام فيهم ، وفي صحبته جماعة من
البحرين منهم :
يحيى بن محمد الأزرق البحراني ،
وسليمان بن جامع ، وهو قائد جيشه .
وكان ينتقل
بالبادية ، فذكر عنه أنه قال : أوتيت في تلك الأيام
بالبادية آيات من آيات إمامتي ظاهرة للناس ، منها أني لقنت سورا من القرآن ، فجرى بها لساني في ساعة ، وحفظتها في دفعة واحدة ، منها : سبحان ، والكهف ، وصاد ، ومنها أني فكرت في الموضع الذي أقصده حيث أتيت في البلاد ، فأظلتني غمامة ، وخوطبت منها ، فقيل لي : اقصد
البصرة .
وقيل عنه إنه قال لأهل البادية : إنه يحيا به
عمر العلوي أبو الحسن المقتول بناحية
الكوفة ، فخدع أهلها ، فأتاه منهم جماعة كثيرة ، فزحف بهم إلى
الروم ، من
البحرين ، كانت وقعة عظيمة ، وكانت الهزيمة عليه وعلى أصحابه ، قتلوا قتلا كثيرا ، فتفرقت العرب عنه .
فلما تفرقت عنه سار فنزل
البصرة في
بني ضبيعة ، فاتبعه منهم جماعة ( كبيرة )
[ ص: 265 ] منهم :
علي بن أبان المهلبي ، وكان قدومه
البصرة سنة أربع وخمسين ومائتين ،
ومحمد بن رجاء الحضاري عاملها ، ووافق ذلك فتنة
أهل البصرة بالبلالية ،
والسعدية .
وطمع في إحدى الطائفتين أن تميل إليه ، فأرسل إليهم يدعوهم ، فلم يجبه أحد من أهل البلد ، وطلبه
ابن رجاء ، فهرب ، فحبس جماعة ممن كانوا يميلون إليه ، منهم : ابنه ، وزوجته ، وابنة له ، وجارية حامل منه .
وسار يريد
بغداذ ، ومعه من أصحابه
محمد بن سلم ،
ويحيى بن محمد ،
وسليمان بن جامع ،
ومرقس القريعي ، فلما صار
بالبطيحة نذر بهم ( رجل كان يلي أمرها ، اسمه
عمير بن عمار ، فحملهم إلى
nindex.php?page=showalam&ids=17006محمد بن عوف عامل
واسط ، فخلص منه ) هو وأصحابه ، فدخل
بغداذ ، فأقام بها حولا ، فانتسب إلى
محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد ، فزعم بها أنه ظهر له آيات عرف بها ما في ضمائر أصحابه ، وما يفعل كل واحد منهم ، فاستمال جماعة من أهل
بغداذ منهم :
جعفر بن محمد الصوحاني من ولد
يزيد بن صوحان ،
ومحمد بن القاسم ،
ومشرق ،
ورقيق ، غلاما
يحيى بن عبد الرحمن ، فسمى مشرقا حمزة ، وكناه
أبا أحمد ، وسمى
رفيقا جعفرا ، وكناه
أبا الفضل .
وعزل
nindex.php?page=showalam&ids=17018محمد بن رجاء عن
البصرة ، فوثب رؤساء
البلالية ،
والسعدية ، فأخرجوا من في الحبوس ، فخلص أهله فيهم ، فلما بلغه خلاص أهله رجع إلى
البصرة ، وكان رجوعه في رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين ، ومعه
علي بن أبان ،
ويحيى بن محمد ،
وسليمان ،
ومشرق ،
ورقيق ، فوافوا
البصرة ، فنزل بقصر القرشي على نهر يعرف بعمود ابن المنجم ، وأظهر أنه وكيل لولد
الواثق في بيع السبخ ، فأقام هنالك .
[ ص: 266 ] وذكر
ريحان أحد غلمان السورجيين ، وهو أول من صحبه منهم ، أنه قال : كنت موكلا بغلمان مولاي أنقل لهم الدقيق ، فأخذني أصحابه ، فساروا بي إليه ، وأمروني أن أسلم عليه بالإمرة ، ففعلت ، فسألني عن الموضع الذي جئت منه ، فأخبرته ، وسألني عن أخبار
البصرة ، فقلت : لا علم لي ; وسألني عن غلمان
السرجيين ، وعن أحوالهم ، وما يجري لهم ، فأعلمته ، فدعاني إلى ما هو عليه ، فأجبته ، فقال : احتل فيمن قدرت عليه من الغلمان ، وأقبل بهم إلي ، ووعدني أن يقودني على من آتيه به ، واستحلفني أن لا أعلم أحدا بموضعه ، وأن أرجع إليه ، وخلى سبيلي .
وعدت إليه من الغداة ، وقد أتاه جماعة من غلمان
الدباسين ، فكتب في حريرة : "
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة الآية ; وجعلها في رأس مردي ، وما زال يدعو غلمان أهل
البصرة ، ويقبلون إليه للخلاص من الرق والتعب ، فاجتمع عنده منهم خلق كثير ، فخطبهم ، ووعدهم أن يقودهم ويملكهم الأموال ، وحلف لهم بالأيمان أن لا يغدر بهم ، ولا يخذلهم ، ولا يدع شيئا من الإحسان إلا أتى به إليهم ، فأتاه مواليهم ، وبذلوا له على كل عبد خمسة دنانير ليسلم إليه عبده ، فبطح أصحابهم ، وأمر كل من عنده من العبيد ، فضربوا مواليهم ، أو وكيلهم ، كل سيد خمسمائة سوط ، ثم أطلقهم فمضوا نحو
البصرة .
ثم ركب في سفن هناك ، فعبر
دجيلا إلى
نهر ميمون ، فأقام هناك ، ولم يزل هذا دأبه يتجمع إليه السودان إلى يوم الفطر ، فخطبهم ، وصلى بهم ، وذكرهم ما كانوا فيه من الشقاء وسوء الحال ، وأن الله تعالى أبعدهم من ذلك ، وأنه يريد أن يرفع أقدارهم ، ويملكهم العبيد والأموال .
فلما كان بعد يومين رأى أصحابه الحميري ، فقاتلوه حتى أخرجوه من
دجلة ،
[ ص: 267 ] واستأمن إلى صاحب
الزنج رجل ( من رؤساء
الزنج ) يكنى
بأبي صالح ، ويعرف بالقصير ، في ثلاثمائة من
الزنج ، فلما كثروا جعل القواد فيهم منهم ، وقال لهم : كل من أتى منكم برجل فهو مضموم إليه .
وكان
ابن عون قد نقل من
واسط إلى ولاية
الأبلة وكور دجلة ، وسار قائد
الزنج إلى
المحمدية ، فلما نزلها وافاه أصحاب
ابن أبي عون ، فصاح
الزنج : السلاح ، وقاموا ، وكان فيهم
فتح الحجام ، فقام وأخذ طبقا كان بين يديه ، فلقيه رجل من
السورجيين يقال له بلبل ، فلما رآه فتح حمل عليه ، وحذفه بالطبق الذي بيده ، فرمى سلاحه وولى هاربا ، وانهزم أصحابه ، وكانوا أربعة آلاف ، وقتل منهم جماعة ، ومات بعضهم عطشا ، وأسر منهم ، وأمر بضرب أعناقهم .
ثم سار إلى
القادسية ، فنهبها أصحابه بأمره ، وما زال يتردد إلى أنهار
البصرة ، فوجد بعض السودان دارا لبعض
بني هاشم ، فيها سلاح بالسيب ، فانتهبوه ، فصار معهم ما يقاتلون به ، فأتاه ، وهو بالسبب ، جماعة من أهل
البصرة يقاتلونه ، فوجه
يحيى بن محمد في خمسمائة رجل ، فلقوا البصريين ، فانهزم البصريون منهم ، وأخذوا سلاحهم ، ثم قاتل طائفة أخرى عند قرية تعرف بقرية اليهود ، فهزمهم أيضا ، وأثبت أصحابه في الصحراء .
ثم أسرى إلى
الجعفرية ، فوضع في أهلها السيف ، فقتل أكثرهم ، وأتى منهم بأسرى فأطلقهم ، ولقي جيشا كبيرا للبصريين مع رئيس اسمه
عقيل ، فهزمهم ، وقتل منهم خلقا كثيرا ، وكان معهم سفن ، فهبت عليها ريح فألقتها إلى الشط ، فنزل
الزنج وقتلوا من وجدوا فيها ، وغنموا ما فيها ، وكان مع الرئيس ( سفن فركبها ونجا ، فأنفذ صاحب
الزنج فأخذها ونهب ما فيها ، ثم نهب ) القرية المعروفة
بالمهلبية وأحرقها ، وأفسد في الأرض وعاث .
ثم لقيه قائد من قواد
الأتراك يقال له :
أبو هلال في أربعة آلاف مقاتل على
نهر الريان ، فاقتتلوا ، وحمل
السودان عليه حملة صادقة ، فقتلوا صاحب علمه ، فانهزم هو
[ ص: 268 ] وأصحابه ، وتبعهم
السودان ، فقتلوا من أصحاب
أبي هلال أكثر من ألف وخمسمائة رجل ، وأخذوا منهم أسرى فأمر بقتلهم .
ثم إنه أتاه من أخبره أن
الزينبي قد أعد له الخيول ، والمتطوعة ،
والبلالية ،
والسعدية ، وهم خلق كثير ، وقد أعدوا الحبال ليكتف من يأخذونه من
السودان ، والمقدم عليهم
أبو منصور ، وأخذ موالي الهاشميين ، فأرسل
علي بن أبان في مائة أسود ليأتيه بخبرهم ، فلقي طائفة منهم ، فهزمهم ، وصار من معهم من العبيد إلى
علي بن أبان .
وأرسل طائفة أخرى من أصحابه ، فأتوا إلى موضع فيه ألف وتسعمائة سفينة ، ومعها من يحفها ، فلما رأوا
الزنج هربوا عنها ، فأخذ
الزنج السفن وأتوا بها إلى صاحبهم ، فلما أتوه قعد على نشز من الأرض .
وكان في السفن قوم حجاج أرادوا أن يسلكوا طريق
البصرة ، فناظرهم ، فصدقوه على قوله ، وقالوا له : لو كان معنا فضل نفقة لأقمنا معك ، فأطلقهم ، وأرسل طليعة تأتيه بخبر ذلك العسكر ، فأتاه خبرهم أنهم قد أتوه في خلق كثير ، فأمر
محمد بن سالم ،
وعلي بن أبان أن يقعدا لهم بالنخل ، وقعد هو على جبل مشرف ، فلم يلبث أن طلعت الأعلام والرجال ، فأمر
الزنج فكبروا ، وحملوا عليهم ، وحملت الخيول ، فتراجع
الزنج حتى بلغوا الجبل الذي هو عليه ، ثم حملوا ، فثبتوا لهم ، وقتل من
الزنج فتح الحجام ، وصدق
الزنج الحملة ، فأخذوهم بين أيديهم ، وخرج
محمد بن سالم ،
وعلي بن أبان ، وحملوا عليهم فقتلوا منهم ، وانهزم الناس ، وذهبوا كل مذهب ، وتبعهم
السودان إلى
نهر بيان ، فوقعوا في الوحل ، فقتلهم
السودان ، وغرق كثير منهم .
وأتى الخبر إلى
الزنوج بأن لهم كمينا ، فساروا إليه ، فإذا الكمين في ( أكثر من ) ألف من
المغاربة ، فقاتلهم قتالا شديدا ، ثم حمل
السودان عليهم ، فقتلوهم أجمعين وأخذوا سلاحهم .
ثم وجه أصحابه فرأوا مائتي سفينة فيها دقيق فأخذوه ، ومتاعا فنهبوه ، ونهب
المعلى بن أيوب ثم سار ، فرأى مسلحة
الزينبي فقاتلوه ، فقاتلهم ، فقتلهم أجمعين ،
[ ص: 269 ] فكانوا مائتين ، ثم سار فنهب قرية
ميزران ، ورأى فيها جمعا من
الزنج ففرقهم على قواده ; ثم سار ، فلقيه ستمائة فارس مع
سليمان ابن أخي الزينبي ، ولم يقاتله ، فأرسل من ينهب ، فأتوه بغنم وبقر ، فذبحوا وأكلوا ، وفرق أصحابه في انتهاب ما هناك .
ثم إن صاحب
الزنج سار يريد
البصرة ، حتى إذا قابل النهر المعروف بالرياحي أتاه قوم من
السودان فأعلموه أنهم رأوا في
الرياحي بارقة ، فلم يلبث إلا يسيرا حتى نادى
السودان : السلاح السلاح ، وأمر
علي بن أبان بالعبور إليهم ، فعبر في ثلاثمائة رجل ، وقال له : إن احتجت إلى مدد فاستمدني ، فلما مضى
علي صاح
الزنج : السلاح السلاح ، لحركة رأوها في جهة أخرى ، فوجه
محمد بن سالم ، ( فرأى جمعا ، فقاتلهم ) من وقت الظهر إلى آخر وقت العصر ، ثم حمل
الزنوج حملة صادقة ، فهزموهم ، وقتلوا من أهل
البصرة والأعراب زهاء خمسمائة ، ورجعوا إلى صاحبهم .
ثم أقبل
علي بن أبان في أصحابه ، وقد هزموا من بإزائهم ، وقتلوا منهم ، ومعه رأس
ابن أبي الليث البلالي القواريري من أعيان
البلالية ، ثم سار من الغد عن ذلك المكان ، ونهى أصحابه عن دخول
البصرة ، فتسرع بعضهم ، فلقيهم أهل
البصرة في جمع عظيم ، وانتهى الخبر إليه ، فوجه
محمد بن سالم ، (
وعلي بن أبان ) ،
ومشرقا ، وخلقا كثيرا ، وجاء هو يسايرهم فلقوا البصريين ، فأرسل إلى أصحابه ليتأخروا عن المكان الذي هم فيه ، فتراجعوا ، فأكب عليهم أهل
البصرة فانهزموا ، وذلك عند العصر ، ووقع
الزنوج في نهر كبير ، ونهر شيطان ، وقتل منهم جماعة ، وغرق جماعة ، وتفرق الباقون ، وتخلف صاحبهم عنهم ، وبقي في نفر يسير ، فنجاه الله تعالى .
ثم لقيهم وهم متحيرون لفقده ، وسأل عن أصحابه ، فإذا ليس معه إلا خمسمائة رجل ، فأمر بالنفخ في البوق الذي يجتمعون لصوته ، فلم يأته أحد ، وكان أهل
البصرة قد انتهبوا السفن الذي كانت
للزنوج ، وبها متاعهم ، فلما أصبح رأى أصحابه في ألف رجل ، وأرسل
محمد بن سالم إلى أهل
البصرة يعظهم ، ويعلمهم ما الذي دعاه إلى الخروج ، فقتلوه .
[ ص: 270 ] فلما كان يوم الاثنين لأربع خلون من ذي القعدة جمع أهل
البصرة وحشدوا لما رأوا من ظهورهم عليه ، وانتدب لذلك رجل يعرف بحمار الساجي ، وكان من غزاة البحر ، وله علم في ركوب السفن ، فجمع المتطوعة ، ورماة الأهداف ، وأهل المسجد الجامع ، ومن خف معه من
البلالية والسعدية ، ومن أحب النظر من غيرهم ، وشحن ثلاثة مراكب ، وشذوات مقابلة ، ( وجعلوا يزدحمون ) ، ومضى جمهور الناس رجالة ، منهم من معه سلاح ، ومنه نظارة ، فدخلت المراكب في المد ، والرجالة على شاطئ النهر .
فلما علم صاحب
الزنج بذلك وجه طائفة من أصحابه مع
زريق الأصبهاني ، في شرقي النهر ، كمينا ، وطائفة مع شبل ،
وحسين الحمامي ، في غربيه كمينا ، وأمر
علي بن أبان أن يلقى أهل
البصرة ، وأن يستتر هو ومن معه بتراسهم ، ولا يقاتل حتى تظهر أصحابه ، وتقدم إلى الكمينين ، إذ جاوزهم أهل
البصرة أن يخرجوا ، ويصيحوا بالناس ، وبقي هو في نفر يسير من أصحابه ، وقد هاله ما رأى من كثرة الجمع ، فسار أصحابه إليهم ، وظهر الكمينان من جانبي النهر ومن وراء السفن ، والرجالة ، فضربوا من ولى من الرجالة والنظارة ، فغرقت طائفة ، وقتلت طائفة ، وهرب الباقون إلى الشط ، فأدركهم السيف ، فمن ثبت قتل ، ومن ألقى نفسه في الماء غرق ، فهلك أكثر ذلك الجمع ، فلم ينج إلا الشريد ، وكثر المفقودون من أهل البصرة ، وعلا العويل من نسائهم ، وهذا يوم البيداء الذي أعظمه الناس .
وكان فيمن قتل جماعة من
بني هاشم وغيرهم في خلق كثير لا يحصى ، وجمعت للخبيث الرءوس ، فأتاه جماعة من أولياء المقتولين ، فأعطاهم ما عرفوا ، وجمع الرءوس التي لم تطلب ، وجعلها في خزينة ، فأطلقها فوافت
البصرة ، فجاء الناس وأخذوا كل ما عرفوه منها ، وقوي بعد هذا اليوم ، وتمكن الرعب في قلوب أهل البصرة منه ، وأمسكوا عن حربه .
[ ص: 271 ] وكتب الناس إلى الخليفة بخبر ما كان ، فوجه إليه جعلان التركي مددا ، وأمر
أبا الأحوص الباهلي بالمسير إلى
الأبلة واليا ، وأمده بقائد من
الأتراك يقال له
جريج .
وأما الخبيث صاحب
الزنج فإنه انصرف بأصحابه إلى
سبخة في آخر النهار ، وهي سبخة
أبي قرة ، وبث أصحابه يمينا وشمالا للغارة والنهب ، فهذا ما كان منه في هذه السنة .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33798أَوَّلِ خُرُوجِ صَاحِبِ الزَّنْجِ
وَفِي شَوَّالٍ خَرَجَ فِي فُرَاتِ الْبَصْرَةِ رَجُلٌ ، وَزَعَمَ أَنَّهُ
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ [ بْنِ عَلِيِّ ] بْنِ عِيسَى بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَجَمَعَ
الزَّنْجَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْكُنُونَ
السِّبَاخَ ، وَعَبَرَ
دِجْلَةَ ، فَنَزَلَ
الدِّينَارِيَّ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَكَانَ اسْمُهُ ، فِيمَا ذُكِرَ ،
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ، وَنَسَبُهُ فِي
عَبْدِ الْقَيْسِ ، وَأُمُّهُ
ابْنَةُ عَلِيِّ بْنِ رَحِيبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ( مِنْ
بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ قُرَى
الرَّيِّ ، وَكَانَ يَقُولُ : جَدِّي
مُحَمَّدُ بْنُ حَكِيمٍ ) مِنْ أَهْلِ
الْكُوفَةِ أَحَدُ الْخَارِجِينَ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=17243هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، فَلَمَّا قُتِلَ
زَيْدٌ هَرَبَ فَلَحِقَ
بِالرَّيِّ ، فَجَاءَ إِلَى قَرْيَةِ
وَرْزَنِينَ وَأَقَامَ بِهَا .
وَإِنَّ أَبَا أَبِيهِ
عَبْدَ الرَّحِيمِ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ ، كَانَ مَوْلِدُهُ
بِالطَّالَقَانِ ، وَقَدِمَ
الْعِرَاقَ ، وَاشْتَرَى جَارِيَةً سِنْدِيَّةً ، وَأَوْلَدَهَا
مُحَمَّدًا أَبَاهُ ، وَكَانَ مُتَّصِلًا قَبْلُ بِجَمَاعَةٍ مِنْ حَاشِيَةِ
الْمُنْتَصِرِ ، مِنْهُمْ
غَانِمٌ الشَّطْرَنْجِيُّ ،
وَسَعِيدٌ الصَّغِيرُ ، وَكَانَ مَعَاشُهُ مِنْهُمْ وَمِنْ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ ، وَكَانَ يَمْدَحُهُمْ وَيَسْتَمِيحُهُمْ بِشِعْرِهِ ، ( مِنْهُمْ ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ ) .
ثُمَّ إِنَّهُ شَخَصَ مِنْ
سَامَرَّا سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ إِلَى
الْبَحْرَيْنِ ، فَادَّعَى بِهَا أَنَّهُ
[ ص: 264 ] عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَدَعَا النَّاسَ بِهَجَرَ إِلَى طَاعَتِهِ ، فَاتَّبَعَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَهْلِهَا وَمِنْ غَيْرِهِمْ ، فَجَرَى بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ عَصَبِيَّةٌ قُتِلَ فِيهَا جَمَاعَةٌ .
وَكَانَ أَهْلُ
الْبَحْرَيْنِ قَدْ أَحَلُّوهُ بِمَحَلِّ نَبِيٍّ ، وَجَبَى الْخَرَاجَ ، وَنَفَذَ فِيهِمْ حُكْمُهُ ، وَقَاتَلُوا أَصْحَابَ السُّلْطَانِ بِسَبَبِهِ ، فَوَتَرَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً ، فَتَنَكَّرُوا لَهُ ، فَانْتَقَلَ عَنْهُمْ إِلَى
الْأَحْسَاءِ ، وَنَزَلَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ
بَنِي سَعْدِ بْنِ تَمِيمٍ ، يُقَالُ لَهُمْ :
بَنُو الشَّمَّاسِ ، وَأَقَامَ فِيهِمْ ، وَفِي صُحْبَتِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ
الْبَحْرَيْنِ مِنْهُمْ :
يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْرَقُ الْبَحْرَانِيُّ ،
وَسُلَيْمَانُ بْنُ جَامِعٍ ، وَهُوَ قَائِدُ جَيْشِهِ .
وَكَانَ يَنْتَقِلُ
بِالْبَادِيَةِ ، فَذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أُوتِيتُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ
بِالْبَادِيَةِ آيَاتٍ مِنْ آيَاتِ إِمَامَتِي ظَاهِرَةً لِلنَّاسِ ، مِنْهَا أَنِّي لُقِّنتُ سُوَرًا مِنَ الْقُرْآنِ ، فَجَرَى بِهَا لِسَانِي فِي سَاعَةٍ ، وَحَفِظْتُهَا فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ ، مِنْهَا : سُبْحَانَ ، وَالْكَهْفُ ، وَصَادْ ، وَمِنْهَا أَنِّي فَكَّرْتُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَقْصِدُهُ حَيْثُ أَتَيْتُ فِي الْبِلَادِ ، فَأَظَلَّتْنِي غَمَامَةٌ ، وَخُوطِبْتُ مِنْهَا ، فَقِيلَ لِي : اقْصِدِ
الْبَصْرَةَ .
وَقِيلَ عَنْهُ إِنَّهُ قَالَ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ : إِنَّهُ يَحْيَا بِهِ
عُمَرُ الْعَلَوِيُّ أَبُو الْحَسَنِ الْمَقْتُولُ بِنَاحِيَةِ
الْكُوفَةِ ، فَخَدَعَ أَهْلَهَا ، فَأَتَاهُ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ ، فَزَحَفَ بِهِمْ إِلَى
الرُّومِ ، مِنَ
الْبَحْرَيْنِ ، كَانَتْ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ ، قُتِّلُوا قَتْلًا كَثِيرًا ، فَتَفَرَّقَتِ الْعَرَبُ عَنْهُ .
فَلَمَّا تَفَرَّقَتْ عَنْهُ سَارَ فَنَزَلَ
الْبَصْرَةَ فِي
بَنِي ضُبَيْعَةَ ، فَاتَّبَعَهُ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ ( كَبِيرَةٌ )
[ ص: 265 ] مِنْهُمْ :
عَلِيُّ بْنُ أَبَانٍ الْمُهَلَّبِيُّ ، وَكَانَ قُدُومُهُ
الْبَصْرَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ رَجَاءٍ الْحَضَارِيُّ عَامِلُهَا ، وَوَافَقَ ذَلِكَ فِتْنَةَ
أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِالْبِلَالِيَّةِ ،
وَالسَّعْدِيَّةِ .
وَطَمَعَ فِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَدْعُوهُمْ ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ ، وَطَلَبَهُ
ابْنُ رَجَاءٍ ، فَهَرَبَ ، فَحَبَسَ جَمَاعَةً مِمَّنْ كَانُوا يَمِيلُونَ إِلَيْهِ ، مِنْهُمْ : ابْنُهُ ، وَزَوْجَتُهُ ، وَابْنَةٌ لَهُ ، وَجَارِيَةٌ حَامِلٌ مِنْهُ .
وَسَارَ يُرِيدُ
بَغْدَاذَ ، وَمَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ
مُحَمَّدُ بْنُ سَلْمٍ ،
وَيَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ ،
وَسُلَيْمَانُ بْنُ جَامِعٍ ،
وَمُرْقُسُ الْقُرَيْعِيُّ ، فَلَمَّا صَارَ
بِالْبَطِيحَةِ نَذَرَ بِهِمْ ( رَجُلٌ كَانَ يَلِي أَمْرَهَا ، اسْمُهُ
عُمَيْرُ بْنُ عَمَّارٍ ، فَحَمَلَهُمْ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=17006مُحَمَّدِ بْنِ عَوْفٍ عَامِلِ
وَاسِطَ ، فَخَلُصَ مِنْهُ ) هُوَ وَأَصْحَابُهُ ، فَدَخَلَ
بَغْدَاذَ ، فَأَقَامَ بِهَا حَوْلًا ، فَانْتَسَبَ إِلَى
مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى بْنِ زَيْدٍ ، فَزَعَمَ بِهَا أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ آيَاتٌ عَرَفَ بِهَا مَا فِي ضَمَائِرِ أَصْحَابِهِ ، وَمَا يَفْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، فَاسْتَمَالَ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ
بَغْدَاذَ مِنْهُمْ :
جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصُّوحَانِيُّ مِنْ وَلَدِ
يَزِيدَ بْنِ صُوحَانَ ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ ،
وَمُشْرِقٌ ،
وَرَقِيقٌ ، غُلَامَا
يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، فَسَمَّى مُشْرِقًا حَمْزَةَ ، وَكَنَّاهُ
أَبَا أَحْمَدَ ، وَسَمَّى
رَفِيقًا جَعْفَرًا ، وَكَنَّاهُ
أَبَا الْفَضْلِ .
وَعُزِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=17018مُحَمَّدُ بْنُ رَجَاءٍ عَنِ
الْبَصْرَةِ ، فَوَثَبَ رُؤَسَاءُ
الْبِلَالِيَّةِ ،
وَالسَّعْدِيَّةِ ، فَأَخْرَجُوا مَنْ فِي الْحُبُوسِ ، فَخَلَصَ أَهْلُهُ فِيهِمْ ، فَلَمَّا بَلَغَهُ خَلَاصُ أَهْلِهِ رَجَعَ إِلَى
الْبَصْرَةِ ، وَكَانَ رُجُوعُهُ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ ، وَمَعَهُ
عَلِيُّ بْنُ أَبَانٍ ،
وَيَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ ،
وَسُلَيْمَانُ ،
وَمَشْرِقٌ ،
وَرَقِيقٌ ، فَوَافَوُا
الْبَصْرَةَ ، فَنَزَلَ بِقَصْرِ الْقُرَشِيِّ عَلَى نَهْرٍ يُعْرَفُ بِعَمُودِ ابْنِ الْمُنَجِّمِ ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ وَكِيلٌ لِوَلَدِ
الْوَاثِقِ فِي بَيْعِ السَّبَخِ ، فَأَقَامَ هُنَالِكَ .
[ ص: 266 ] وَذَكَرَ
رَيْحَانُ أَحَدُ غِلْمَانِ السُّورَجِيِّينَ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَحِبَهُ مِنْهُمْ ، أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ مُوَكَّلًا بِغِلْمَانِ مَوْلَايَ أَنْقُلُ لَهُمُ الدَّقِيقَ ، فَأَخَذَنِي أَصْحَابُهُ ، فَسَارُوا بِي إِلَيْهِ ، وَأَمَرُونِي أَنْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِ بِالْإِمْرَةِ ، فَفَعَلْتُ ، فَسَأَلَنِي عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي جِئْتُ مِنْهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ ، وَسَأَلَنِي عَنْ أَخْبَارِ
الْبَصْرَةِ ، فَقُلْتُ : لَا عِلْمَ لِي ; وَسَأَلَنِي عَنْ غِلْمَانِ
السُّرْجِيِّينَ ، وَعَنْ أَحْوَالِهِمْ ، وَمَا يَجْرِي لَهُمْ ، فَأَعْلَمْتُهُ ، فَدَعَانِي إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ ، فَأَجَبْتُهُ ، فَقَالَ : احْتَلْ فِيمَنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنَ الْغِلْمَانِ ، وَأَقْبِلْ بِهِمْ إِلَيَّ ، وَوَعَدَنِي أَنْ يَقُودَنِي عَلَى مَنْ آتِيهِ بِهِ ، وَاسْتَحْلَفَنِي أَنْ لَا أُعْلِمَ أَحَدًا بِمَوْضِعِهِ ، وَأَنْ أَرْجِعَ إِلَيْهِ ، وَخَلَّى سَبِيلِي .
وَعُدْتُ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدَاةِ ، وَقَدْ أَتَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ غِلْمَانِ
الدَّبَّاسِينَ ، فَكَتَبَ فِي حَرِيرَةٍ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ الْآيَةَ ; وَجَعَلَهَا فِي رَأْسِ مُرْدِيٍّ ، وَمَا زَالَ يَدْعُو غِلْمَانَ أَهْلِ
الْبَصْرَةِ ، وَيُقْبِلُونَ إِلَيْهِ لِلْخَلَاصِ مِنَ الرِّقِّ وَالتَّعَبِ ، فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، فَخَطَبَهُمْ ، وَوَعَدَهُمْ أَنْ يَقُودَهُمْ وَيُمَلِّكَهُمُ الْأَمْوَالَ ، وَحَلَفَ لَهُمْ بِالْأَيْمَانِ أَنْ لَا يَغْدِرَ بِهِمْ ، وَلَا يَخْذُلَهُمْ ، وَلَا يَدَعُ شَيْئًا مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَّا أَتَى بِهِ إِلَيْهِمْ ، فَأَتَاهُ مَوَالِيهِمْ ، وَبَذَلُوا لَهُ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لِيُسْلِمَ إِلَيْهِ عَبْدَهُ ، فَبَطَحَ أَصْحَابَهُمْ ، وَأَمَرَ كُلَّ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعَبِيدِ ، فَضَرَبُوا مَوَالِيَهُمْ ، أَوْ وَكِيلَهُمْ ، كُلَّ سَيِّدٍ خَمْسَمِائَةِ سَوْطٍ ، ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ فَمَضَوْا نَحْوَ
الْبَصْرَةِ .
ثُمَّ رَكِبَ فِي سُفُنٍ هُنَاكَ ، فَعَبَرَ
دُجَيْلًا إِلَى
نَهْرِ مَيْمُونٍ ، فَأَقَامَ هُنَاكَ ، وَلَمْ يَزَلْ هَذَا دَأْبُهُ يَتَجَمَّعُ إِلَيْهِ السُّودَانُ إِلَى يَوْمِ الْفِطْرِ ، فَخَطَبَهُمْ ، وَصَلَّى بِهِمْ ، وَذَكَّرَهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْحَالِ ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْعَدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَرْفَعَ أَقْدَارَهُمْ ، وَيُمَلِّكَهُمُ الْعَبِيدَ وَالْأَمْوَالَ .
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ رَأَى أَصْحَابُهُ الْحُمَيْرِيَّ ، فَقَاتَلُوهُ حَتَّى أَخْرَجُوهُ مِنْ
دِجْلَةَ ،
[ ص: 267 ] وَاسْتَأْمَنَ إِلَى صَاحِبِ
الزَّنْجِ رَجُلٌ ( مِنْ رُؤَسَاءِ
الزَّنْجِ ) يُكَنَّى
بِأَبِي صَالِحٍ ، وَيُعْرَفُ بِالْقَصِيرِ ، فِي ثَلَاثِمِائَةٍ مِنَ
الزَّنْجِ ، فَلَمَّا كَثُرُوا جَعَلَ الْقُوَّادَ فِيهِمْ مِنْهُمْ ، وَقَالَ لَهُمْ : كُلُّ مَنْ أَتَى مِنْكُمْ بِرَجُلٍ فَهُوَ مَضْمُومٌ إِلَيْهِ .
وَكَانَ
ابْنُ عَوْنٍ قَدْ نُقِلَ مِنْ
وَاسِطَ إِلَى وِلَايَةِ
الْأُبُلَّةِ وَكُوَرِ دِجْلَةَ ، وَسَارَ قَائِدُ
الزَّنْجِ إِلَى
الْمُحَمَّدِيَّةِ ، فَلَمَّا نَزَلَهَا وَافَاهُ أَصْحَابُ
ابْنِ أَبِي عَوْنٍ ، فَصَاحَ
الزَّنْجُ : السِّلَاحَ ، وَقَامُوا ، وَكَانَ فِيهِمْ
فَتْحٌ الْحَجَّامُ ، فَقَامَ وَأَخَذَ طَبَقًا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنَ
السُّورَجِيِّينَ يُقَالُ لَهُ بُلْبُلٌ ، فَلَمَّا رَآهُ فَتْحٌ حَمَلَ عَلَيْهِ ، وَحَذَفَهُ بِالطَّبَقِ الَّذِي بِيَدِهِ ، فَرَمَى سِلَاحَهُ وَوَلَّى هَارِبًا ، وَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافٍ ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً ، وَمَاتَ بَعْضُهُمْ عَطَشًا ، وَأَسَرَ مِنْهُمْ ، وَأَمَرَ بِضَرْبِ أَعْنَاقِهِمْ .
ثُمَّ سَارَ إِلَى
الْقَادِسِيَّةِ ، فَنَهَبَهَا أَصْحَابُهُ بِأَمْرِهِ ، وَمَا زَالَ يَتَرَدَّدُ إِلَى أَنْهَارِ
الْبَصْرَةِ ، فَوَجَدَ بَعْضُ السُّودَانِ دَارًا لِبَعْضِ
بَنِي هَاشِمٍ ، فِيهَا سِلَاحٌ بِالسَّيْبِ ، فَانْتَهَبُوهُ ، فَصَارَ مَعَهُمْ مَا يُقَاتِلُونَ بِهِ ، فَأَتَاهُ ، وَهُوَ بِالسَّبَبِ ، جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ
الْبَصْرَةِ يُقَاتِلُونَهُ ، فَوَجَّهَ
يَحْيَى بْنَ مُحَمَّدٍ فِي خَمْسِمِائَةِ رَجُلٍ ، فَلَقَوُا الْبَصْرِيِّينَ ، فَانْهَزَمَ الْبَصْرِيُّونَ مِنْهُمْ ، وَأَخَذُوا سِلَاحَهُمْ ، ثُمَّ قَاتَلَ طَائِفَةً أُخْرَى عِنْدَ قَرْيَةٍ تُعْرَفُ بِقَرْيَةِ الْيَهُودِ ، فَهَزَمَهُمْ أَيْضًا ، وَأَثْبَتَ أَصْحَابَهُ فِي الصَّحْرَاءِ .
ثُمَّ أَسْرَى إِلَى
الْجَعْفَرِيَّةِ ، فَوَضَعَ فِي أَهْلِهَا السَّيْفَ ، فَقَتَلَ أَكْثَرَهُمْ ، وَأَتَى مِنْهُمْ بِأَسْرَى فَأَطْلَقَهُمْ ، وَلَقِيَ جَيْشًا كَبِيرًا لِلْبَصْرِيِّينَ مَعَ رَئِيسٍ اسْمُهُ
عُقَيْلٌ ، فَهَزَمَهُمْ ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا ، وَكَانَ مَعَهُمْ سُفُنٌ ، فَهَبَّتْ عَلَيْهَا رِيحٌ فَأَلْقَتْهَا إِلَى الشَّطِّ ، فَنَزَلَ
الزَّنْجُ وَقَتَلُوا مَنْ وَجَدُوا فِيهَا ، وَغَنِمُوا مَا فِيهَا ، وَكَانَ مَعَ الرَّئِيسِ ( سُفُنٌ فَرَكِبَهَا وَنَجَا ، فَأَنْفَذَ صَاحِبُ
الزَّنْجِ فَأَخَذَهَا وَنَهَبَ مَا فِيهَا ، ثُمَّ نَهَبَ ) الْقَرْيَةَ الْمَعْرُوفَةَ
بِالْمُهَلَّبِيَّةِ وَأَحْرَقَهَا ، وَأَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ وَعَاثَ .
ثُمَّ لَقِيَهُ قَائِدٌ مِنْ قُوَّادِ
الْأَتْرَاكِ يُقَالُ لَهُ :
أَبُو هِلَالٍ فِي أَرْبَعَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ عَلَى
نَهْرِ الرَّيَّانِ ، فَاقْتَتَلُوا ، وَحَمَلَ
السُّودَانُ عَلَيْهِ حَمْلَةً صَادِقَةً ، فَقَتَلُوا صَاحِبَ عَلَمِهِ ، فَانْهَزَمَ هُوَ
[ ص: 268 ] وَأَصْحَابُهُ ، وَتَبِعَهُمُ
السُّودَانُ ، فَقَتَلُوا مِنْ أَصْحَابِ
أَبِي هِلَالٍ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ رَجُلٍ ، وَأَخَذُوا مِنْهُمْ أَسْرَى فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ .
ثُمَّ إِنَّهُ أَتَاهُ مَنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ
الزَّيْنَبِيَّ قَدْ أَعَدَّ لَهُ الْخُيُولَ ، وَالْمُتَطَوِّعَةَ ،
وَالْبِلَالِيَّةَ ،
وَالسَّعْدِيَّةَ ، وَهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، وَقَدْ أَعَدُّوا الْحِبَالَ لِيُكَتَّفَ مَنْ يَأْخُذُونَهُ مِنَ
السُّودَانِ ، وَالْمُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ
أَبُو مَنْصُورٍ ، وَأَخَذَ مَوَالِيَ الْهَاشِمِيِّينَ ، فَأَرْسَلَ
عَلِيُّ بْنُ أَبَانٍ فِي مِائَةِ أَسْوَدَ لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِهِمْ ، فَلَقِيَ طَائِفَةً مِنْهُمْ ، فَهَزَمَهُمْ ، وَصَارَ مَنْ مَعَهُمْ مِنَ الْعَبِيدِ إِلَى
عَلِيِّ بْنِ أَبَانٍ .
وَأَرْسَلَ طَائِفَةً أُخْرَى مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَأَتَوْا إِلَى مَوْضِعٍ فِيهِ أَلْفٌ وَتِسْعُمِائَةِ سَفِينَةٍ ، وَمَعَهَا مَنْ يَحُفُّهَا ، فَلَمَّا رَأَوُا
الزَّنْجَ هَرَبُوا عَنْهَا ، فَأَخَذَ
الزَّنْجُ السُّفُنَ وَأَتَوْا بِهَا إِلَى صَاحِبِهِمْ ، فَلَمَّا أَتَوْهُ قَعَدَ عَلَى نَشَزٍ مِنَ الْأَرْضِ .
وَكَانَ فِي السُّفُنِ قَوْمٌ حُجَّاجٌ أَرَادُوا أَنْ يَسْلُكُوا طَرِيقَ
الْبَصْرَةِ ، فَنَاظَرَهُمْ ، فَصَدَّقُوهُ عَلَى قَوْلِهِ ، وَقَالُوا لَهُ : لَوْ كَانَ مَعَنَا فَضْلُ نَفَقَةٍ لَأَقَمْنَا مَعَكَ ، فَأَطْلَقَهُمْ ، وَأَرْسَلَ طَلِيعَةً تَأْتِيهِ بِخَبَرِ ذَلِكَ الْعَسْكَرِ ، فَأَتَاهُ خَبَرُهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ أَتَوْهُ فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ ، فَأَمَرَ
مُحَمَّدَ بْنَ سَالِمٍ ،
وَعَلِيَّ بْنَ أَبَانٍ أَنْ يَقْعُدَا لَهُمْ بِالنَّخْلِ ، وَقَعَدَ هُوَ عَلَى جَبَلٍ مُشْرِفٍ ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ طَلَعَتِ الْأَعْلَامُ وَالرِّجَالُ ، فَأَمَرَ
الزَّنْجَ فَكَبَّرُوا ، وَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ ، وَحَمَلَتِ الْخُيُولُ ، فَتَرَاجَعَ
الزَّنْجُ حَتَّى بَلَغُوا الْجَبَلَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ حَمَلُوا ، فَثَبَتُوا لَهُمْ ، وَقُتِلَ مِنَ
الزَّنْجِ فَتْحٌ الْحَجَّامُ ، وَصَدَقَ
الزَّنْجُ الْحَمْلَةَ ، فَأَخَذُوهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ، وَخَرَجَ
مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ ،
وَعَلِيُّ بْنُ أَبَانٍ ، وَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ ، وَانْهَزَمَ النَّاسُ ، وَذَهَبُوا كُلَّ مَذْهَبٍ ، وَتَبِعَهَمُ
السُّودَانُ إِلَى
نَهْرِ بَيَانٍ ، فَوَقَعُوا فِي الْوَحْلِ ، فَقَتَلَهُمُ
السُّودَانُ ، وَغَرِقَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ .
وَأَتَى الْخَبَرُ إِلَى
الزُّنُوجِ بِأَنَّ لَهُمْ كَمِينًا ، فَسَارُوا إِلَيْهِ ، فَإِذَا الْكَمِينُ فِي ( أَكْثَرِ مِنْ ) أَلْفٍ مِنَ
الْمَغَارِبَةِ ، فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا ، ثُمَّ حَمَلَ
السُّودَانُ عَلَيْهِمْ ، فَقَتَلُوهُمْ أَجْمَعِينَ وَأَخَذُوا سِلَاحَهُمْ .
ثُمَّ وَجَّهَ أَصْحَابَهُ فَرَأَوْا مِائَتَيْ سَفِينَةٍ فِيهَا دَقِيقٌ فَأَخَذُوهُ ، وَمَتَاعًا فَنَهَبُوهُ ، وَنَهَبَ
الْمُعَلَّى بْنُ أَيُّوبَ ثُمَّ سَارَ ، فَرَأَى مَسْلَحَةَ
الزَّيْنَبِيَّ فَقَاتَلُوهُ ، فَقَاتَلَهُمْ ، فَقَتَلَهُمْ أَجْمَعِينَ ،
[ ص: 269 ] فَكَانُوا مِائَتَيْنِ ، ثُمَّ سَارَ فَنَهَبَ قَرْيَةَ
مَيْزَرَانَ ، وَرَأَى فِيهَا جَمْعًا مِنَ
الزَّنْجِ فَفَرَّقَهُمْ عَلَى قُوَّادِهِ ; ثُمَّ سَارَ ، فَلَقِيَهُ سِتُّمِائَةِ فَارِسٍ مَعَ
سُلَيْمَانَ ابْنِ أَخِي الزَّيْنَبِيِّ ، وَلَمْ يُقَاتِلْهُ ، فَأَرْسَلَ مَنْ يَنْهَبُ ، فَأَتَوْهُ بِغَنَمٍ وَبَقَرٍ ، فَذَبَحُوا وَأَكَلُوا ، وَفَرَّقَ أَصْحَابَهُ فِي انْتِهَابِ مَا هُنَاكَ .
ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ
الزَّنْجِ سَارَ يُرِيدُ
الْبَصْرَةَ ، حَتَّى إِذَا قَابَلَ النَّهْرَ الْمَعْرُوفَ بِالرِّيَاحِيِّ أَتَاهُ قَوْمٌ مِنَ
السُّودَانِ فَأَعْلَمُوهُ أَنَّهُمْ رَأَوْا فِي
الرِّيَاحِيِّ بَارِقَةً ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَادَى
السُّودَانُ : السِّلَاحَ السِّلَاحَ ، وَأَمَرَ
عَلِيَّ بْنَ أَبَانٍ بِالْعُبُورِ إِلَيْهِمْ ، فَعَبَرَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ ، وَقَالَ لَهُ : إِنِ احْتَجْتَ إِلَى مَدَدٍ فَاسْتَمِدَّنِي ، فَلَمَّا مَضَى
عَلِيٌّ صَاحَ
الزَّنْجُ : السِّلَاحَ السِّلَاحَ ، لِحَرَكَةٍ رَأَوْهَا فِي جِهَةٍ أُخْرَى ، فَوَجَّهَ
مُحَمَّدَ بْنَ سَالِمٍ ، ( فَرَأَى جَمْعًا ، فَقَاتَلَهُمْ ) مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ إِلَى آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ ، ثُمَّ حَمَلَ
الزُّنُوجُ حَمْلَةً صَادِقَةً ، فَهَزَمُوهُمْ ، وَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِ
الْبَصْرَةِ وَالْأَعْرَابِ زُهَاءَ خَمْسِمِائَةٍ ، وَرَجَعُوا إِلَى صَاحِبِهِمْ .
ثُمَّ أَقْبَلَ
عَلِيُّ بْنُ أَبَانٍ فِي أَصْحَابِهِ ، وَقَدْ هَزَمُوا مَنْ بِإِزَائِهِمْ ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ ، وَمَعَهُ رَأْسُ
ابْنِ أَبِي اللَّيْثِ الْبِلَالِيِّ الْقَوَارِيرِيِّ مِنْ أَعْيَانِ
الْبِلَالِيَّةِ ، ثُمَّ سَارَ مِنَ الْغَدِ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ ، وَنَهَى أَصْحَابَهُ عَنْ دُخُولِ
الْبَصْرَةِ ، فَتَسَرَّعَ بَعْضُهُمْ ، فَلَقِيَهُمْ أَهْلُ
الْبَصْرَةِ فِي جَمْعٍ عَظِيمٍ ، وَانْتَهَى الْخَبَرُ إِلَيْهِ ، فَوَجَّهَ
مُحَمَّدَ بْنَ سَالِمٍ ، (
وَعَلِيَّ بْنَ أَبَانٍ ) ،
وَمُشْرِقًا ، وَخَلْقًا كَثِيرًا ، وَجَاءَ هُوَ يُسَايِرُهُمْ فَلَقُوا الْبَصْرِيِّينَ ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِهِ لِيَتَأَخَّرُوا عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي هُمْ فِيهِ ، فَتَرَاجَعُوا ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ
الْبَصْرَةِ فَانْهَزَمُوا ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْعَصْرِ ، وَوَقَعَ
الزُّنُوجُ فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ ، وَنَهْرِ شَيْطَانٍ ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ ، وَغَرِقَ جَمَاعَةٌ ، وَتَفَرَّقَ الْبَاقُونَ ، وَتَخَلَّفَ صَاحِبُهُمْ عَنْهُمْ ، وَبَقِيَ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ ، فَنَجَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى .
ثُمَّ لَقِيَهُمْ وَهُمْ مُتَحَيِّرُونَ لِفَقْدِهِ ، وَسَأَلَ عَنْ أَصْحَابِهِ ، فَإِذَا لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا خَمْسُمِائَةِ رَجُلٍ ، فَأَمَرَ بِالنَّفْخِ فِي الْبُوقِ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ لِصَوْتِهِ ، فَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ ، وَكَانَ أَهْلُ
الْبَصْرَةِ قَدِ انْتَهَبُوا السُّفُنَ الَّذِي كَانَتْ
لِلزُّنُوجِ ، وَبِهَا مَتَاعُهُمْ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَأَى أَصْحَابَهُ فِي أَلْفِ رَجُلٍ ، وَأَرْسَلَ
مُحَمَّدَ بْنَ سَالِمٍ إِلَى أَهْلِ
الْبَصْرَةِ يَعِظُهُمْ ، وَيُعْلِمُهُمْ مَا الَّذِي دَعَاهُ إِلَى الْخُرُوجِ ، فَقَتَلُوهُ .
[ ص: 270 ] فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ جَمَعَ أَهْلُ
الْبَصْرَةِ وَحَشَدُوا لَمَّا رَأَوْا مِنْ ظُهُورِهِمْ عَلَيْهِ ، وَانْتُدِبَ لِذَلِكَ رَجُلٌ يُعْرَفُ بِحِمَارٍ السَّاجِيِّ ، وَكَانَ مِنْ غُزَاةِ الْبَحْرِ ، وَلَهُ عِلْمٌ فِي رُكُوبِ السُّفُنِ ، فَجَمَعَ الْمُتَطَوِّعَةَ ، وَرُمَاةَ الْأَهْدَافِ ، وَأَهْلَ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ ، وَمَنْ خَفَّ مَعَهُ مِنَ
الْبِلَالِيَّةِ وَالسَّعْدِيَّةِ ، وَمَنْ أَحَبَّ النَّظَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَشَحَنَ ثَلَاثَةَ مَرَاكِبَ ، وَشَذَوَاتٍ مُقَابَلَةً ، ( وَجَعَلُوا يَزْدَحِمُونَ ) ، وَمَضَى جُمْهُورُ النَّاسِ رَجَّالَةً ، مِنْهُمْ مَنْ مَعَهُ سِلَاحٌ ، وَمِنْهُ نَظَّارَةٌ ، فَدَخَلَتِ الْمَرَاكِبُ فِي الْمَدِّ ، وَالرَّجَّالَةُ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ .
فَلَمَّا عَلِمَ صَاحِبُ
الزَّنْجِ بِذَلِكَ وَجَّهَ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ مَعَ
زُرَيْقٍ الْأَصْبَهَانِيِّ ، فِي شَرْقِيِّ النَّهْرِ ، كَمِينًا ، وَطَائِفَةً مَعَ شِبْلٍ ،
وَحُسَيْنٍ الْحَمَّامِيِّ ، فِي غَرْبِيِّهِ كَمِينًا ، وَأَمَرَ
عَلِيَّ بْنَ أَبَانٍ أَنْ يَلْقَى أَهْلَ
الْبَصْرَةِ ، وَأَنْ يَسْتَتِرَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ بِتِرَاسِهِمْ ، وَلَا يُقَاتِلَ حَتَّى تَظْهَرَ أَصْحَابُهُ ، وَتَقَدَّمَ إِلَى الْكَمِينَيْنِ ، إِذْ جَاوَزَهُمْ أَهْلُ
الْبَصْرَةِ أَنْ يَخْرُجُوا ، وَيَصِيحُوا بِالنَّاسِ ، وَبَقِيَ هُوَ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَقَدْ هَالَهُ مَا رَأَى مِنْ كَثْرَةِ الْجَمْعِ ، فَسَارَ أَصْحَابُهُ إِلَيْهِمْ ، وَظَهَرَ الْكَمِينَانِ مِنْ جَانِبَيِ النَّهْرِ وَمِنْ وَرَاءِ السُّفُنِ ، وَالرَّجَّالَةِ ، فَضَرَبُوا مَنْ وَلَّى مِنَ الرَّجَّالَةِ وَالنَّظَّارَةِ ، فَغَرِقَتْ طَائِفَةٌ ، وَقُتِلَتْ طَائِفَةٌ ، وَهَرَبَ الْبَاقُونَ إِلَى الشَّطِّ ، فَأَدْرَكَهُمُ السَّيْفُ ، فَمَنْ ثَبَتَ قُتِلَ ، وَمَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْمَاءِ غَرِقَ ، فَهَلَكَ أَكْثَرُ ذَلِكَ الْجَمْعِ ، فَلَمْ يَنْجُ إِلَّا الشَّرِيدُ ، وَكَثُرَ الْمَفْقُودُونَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، وَعَلَا الْعَوِيلُ مِنْ نِسَائِهِمْ ، وَهَذَا يَوْمُ الْبَيْدَاءِ الَّذِي أَعْظَمَهُ النَّاسُ .
وَكَانَ فِيمَنْ قُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ
بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ لَا يُحْصَى ، وَجُمِعَتْ لِلْخَبِيثِ الرُّءُوسُ ، فَأَتَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِينَ ، فَأَعْطَاهُمْ مَا عَرَفُوا ، وَجَمَعَ الرُّءُوسَ الَّتِي لَمْ تُطْلَبْ ، وَجَعَلَهَا فِي خَزِينَةٍ ، فَأَطْلَقَهَا فَوَافَتِ
الْبَصْرَةَ ، فَجَاءَ النَّاسُ وَأَخَذُوا كُلَّ مَا عَرَفُوهُ مِنْهَا ، وَقَوِيَ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ ، وَتَمَكَّنَ الرُّعْبُ فِي قُلُوبِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْهُ ، وَأَمْسَكُوا عَنْ حَرْبِهِ .
[ ص: 271 ] وَكَتَبَ النَّاسُ إِلَى الْخَلِيفَةِ بِخَبَرِ مَا كَانَ ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ جُعْلَانُ التُّرْكِيُّ مَدَدًا ، وَأَمَرَ
أَبَا الْأَحْوَصِ الْبَاهِلِيَّ بِالْمَسِيرِ إِلَى
الْأُبُلَّةِ وَالِيًا ، وَأَمَدَّهُ بِقَائِدٍ مِنَ
الْأَتْرَاكِ يُقَالُ لَهُ
جُرَيْجٌ .
وَأَمَّا الْخَبِيثُ صَاحِبُ
الزَّنْجِ فَإِنَّهُ انْصَرَفَ بِأَصْحَابِهِ إِلَى
سَبْخَةٍ فِي آخِرِ النَّهَارِ ، وَهِيَ سَبْخَةُ
أَبِي قُرَّةَ ، وَبَثَّ أَصْحَابَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا لِلْغَارَةِ وَالنَّهْبِ ، فَهَذَا مَا كَانَ مِنْهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ .