ذكر إبراهيم ينال قلعة كنكور وغيرها ملك
في هذه السنة سار إلى إبراهيم ينال قلعة كنكور وبها عكبر بن فارس صاحب كرشاسف بن علاء الدولة يحفظها له ، فامتنع عكبر بها إلى أن فنيت ذخائره ، وكانت قليلة ، فلما نفدت الذخائر عمد إلى بيوت الطعام التي في القلعة وملأها ترابا وحجارة ، وسد أبوابها ، ونثر من داخل الأبواب شيئا من طعام ، وعلى رأس التراب والحجارة كذلك أيضا ، وراسل إبراهيم في تسليم القلعة إليه على أن يؤمنه على من بها من الرجال ، وما بها من الأموال ، فأرسل إليه إبراهيم يمتنع عليه من ترك المال ، فأخذ عكبر رسول إبراهيم فطوفه على البيوت التي فيها الطعام ، وفتح مواضع من المسدود ، فرآها مملوءة فظنها طعاما ، وقال له عكبر : ما راسلت صاحبك خوفا من المطاولة ، ولا إشفاقا من ناد الميرة ، لكنني أحببت الدخول في طاعته ، فإن بذل لي الأمان على ما طلبته لي وللأمير كرشاسف وأمواله ولمن بالقلعة - سلمت إليه ، وكفيته مؤونة المقام .
فلما عاد الرسول إلى إبراهيم وأخبره أجابه إلى ما طلب ، ونزل عكبر وتسلمها إبراهيم ، فلما صعد إلى القلعة انكشفت الحيلة ، وسار عكبر بمن معه إلى قلعة سرماج ، وصعد إليها .
ولما ملك ينال كنكور عاد إلى همذان ، فسير جيشا لأخذ قلاع سرخاب ، واستعمل عليهم نسيبا له اسمه أحمد ، وسلم إليه سرخابا ليفتح به قلاعه ، فسار به إلى قلعة كلكان ، فامتنعت عليه ، فساروا إلى قلعة دزديلوية فحصروها ، وامتدت طائفة منهم إلى البندنيجين فنهبوها في جمادى الآخرة ، وفعلوا الأفاعيل القبيحة من النهب والقتل وافتراش النساء والعقوبة على تخليص الأموال ، فمات منهم جماعة لشدة الضرب .
[ ص: 62 ] وسارت طائفة منهم إلى أبي الفتح بن ورام ، فانصرف عنهم خوفا منهم ، وترك حلله بحالها ، وقصد أن يشتغلوا بنهب حلله فيعود عليهم ، فلم يعرجوا على النهب وتبعوه ، فلشدة خوفه أن يظفروا به ويأخذوه قاتلهم ، فظفر بهم ، وقتل وأسر جماعة منهم ، وغنم ما معهم ، ورجع الباقون ، وأرسل إلى بغداذ يطلب نجدة خوفا من عودهم ، فلم ينجدوه لعدم الهيبة وقلة إمساك الأمر ، فعبر بنو ورام دجلة إلى الجانب الغربي .
ثم إن الغز أسروا إلى سعدي بن أبي الشوك في رجب وهو نازل على فرسخين من باجسرى ، وكبسوه فانهزم هو ومن معه لا يلوي الآخر على أخيه ، ولا الوالد على ولده ، فقتل منهم خلق كثير ، وغنم الغز أموالهم ، ونهبوا تلك الأعمال ، وكان سعدي قد أنزل مالا من قلعة السيروان ، فوصله تلك الليلة ، فغنمه الغز إلا قليلا منه سلم معه ، ونجا سعدي من الوقعة بجريعة الذقن ، ونهب الغز الدسكرة ، وباجسرى ، والهارونية ، وقصر سابور ، وجميع تلك الأعمال .
ووصل الخبر إلى بغداذ بأن عازم على قصد إبراهيم ينال بغداذ ، فارتاع الناس ، واجتمع الأمراء والقواد إلى الأمير أبي منصور ابن الملك أبي كاليجار ليجتمعوا ويسيروا إليه ويمنعوه ، واتفقوا على ذلك ، فلم يخرج غير خيم الأمير أبي منصور والوزير ونفر يسير ، وتخلف الباقون ، وهلك من أهل تلك النواحي المنهوبة خلق كثير ، فمنهم من قتل ، ومنهم من غرق ، ومنهم من قتله البرد .
ووصل سعدي إلى ديالى ، ثم سار منها إلى أبي الأغر دبيس بن مزيد فأقام عنده . ثم إن سار إلى إبراهيم ينال السيروان ، فحصر القلعة ، وضيق على من بها ، وأرسل سرية نهبت البلاد ، وانتهت إلى مكان بينه وبين تكريت عشرة فراسخ ، ودخل بغداذ من أهل طريق خراسان خلق كثير ، وذكروا من حالهم ما أبكى العيون ، ثم سلمها إليه مستحفظها ، بعد أن أمنه على نفسه وماله ، وأخذ منها ينال من بقايا ما خلفه سعدي شيئا كثيرا ، ولما فتحها استخلف فيها مقدما كبيرا من أصحابه يقال له [ ص: 63 ] سخت كمان ، وانصرف إلى حلوان ، وعاد منها إلى همذان ، ومعه بدر ومالك ابنا مهلهل ، فأكرمهما .
ثم إن صاحب قلعة سرماج توفي ، وهو من ولد بدر بن حسنويه ، وسلمت القلعة بعده إلى ، وسير إبراهيم ينال وزيره إلى إبراهيم ينال شهرزور ، فأخذها وملكها ، فهرب منه مهلهل ، فأبعد في الهرب .
ثم نزل أحمد على قلعة تيرانشاه وحاصرها ، ونقب عليها عدة نقوب ، ثم إن مهلهلا راسل أهل شهرزور يعدهم بالمسير إليهم في جمع كثير ، ويأمرهم بالوثوب بمن عندهم من الغز ، ففعلوا وقتلوا منهم ، وسمع فعاد إليهم وأوقع بهم ونهبهم ، وقتل كثيرا منهم . أحمد بن طاهر
ثم إن الغز المقيمين بالبندنيجين ومن معهم ساروا إلى براز الروز ، وتقدموا إلى نهر السليل ، فاقتتلوا هم وأبو دلف القاسم بن محمد الجاواني قتالا شديدا ظفر فيه أبو دلف ، وانهزم الغز وأخذ ما معهم .
وسار في ذي الحجة جمع من الغز إلى بلد علي بن القاسم الكردي ، فأغاروا وعاثوا ، فأخذ عليهم المضيق ، وأوقع بهم وقتل كثيرا منهم ، وارتجع ما غنموه من بلده .