الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ملك ابنه الملك محمود وما كان من حال ابنه الأكبر بركيارق إلى أن ملك

لما مات السلطان ملكشاه كتمت زوجته تركان خاتون موته ، كما ذكرناه ، وأرسلت إلى الأمراء سرا فأرضتهم ، واستحلفتهم لولدها محمود ، وعمره أربع سنين ، وشهور ، وأرسلت إلى الخليفة المقتدي في الخطبة لولدها أيضا . فأجابها ، وشرط أن يكون اسم السلطنة لولدها ، والخطبة له ، ويكون المدبر لزعامة الجيوش ، ورعاية البلد - هو الأمير أنر ، ويصدر عن رأي تاج الملك ، ويكون ترتيب [ ص: 363 ] العمال ، وجباية الأموال إلى تاج الملك أيضا ، وكان تاج الملك هو الذي يدبر الأمر بين يدي خاتون .

فلما جاءت رسالة الخليفة إلى خاتون بذلك امتنعت من قبوله ، فقيل لها :

إن ولدك صغير ، ولا يجيز الشرع ولايته ، وكان المخاطب لها في ذلك الغزالي ، فأذعنت له ، وأجابت إليه ، فخطب لولدها ، ولقب ناصر الدنيا والدين ، وكانت الخطبة يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال من السنة ، وخطب له بالحرمين الشريفين .

ولما مات السلطان ملكشاه أرسلت تركان خاتون إلى أصبهان في القبض على بركيارق ابن السلطان ، وهو أكبر أولاده ، خافته أن ينازع ولدها في السلطنة ، فقبض عليه ، فلما ظهر موت ملكشاه وثب المماليك النظامية على سلاح كان لنظام الملك بأصبهان ، فأخذوه وثاروا في البلد ، وأخرجوا بركيارق من الحبس ، وخطبوا له بأصبهان وملكوه ، وكانت والدة بركيارق زبيدة ابنة ياقوتي بن داود ، وهي ابنة عم ملكشاه - خائفة على ولدها من خاتون أم محمود ، فأتاها الفرج بالمماليك النظامية .

وسارت تركان خاتون من بغداذ إلى أصبهان ، فطالب العسكر تاج الملك بالأموال ، فوعدهم ، فلما وصلوا إلى قلعة برجين صعد إليها لينزل الأموال منها ، فلما استقر فيها عصى على خاتون ، ولم ينزل خوفا من العسكر ، فساروا عنه ، ونهبوا خزائنه ، فلم يجدوا بها شيئا ، فإنه كان قد علم ما جرى ، فاستظهر وأخفاه .

ولما وصلت تركان خاتون إلى أصبهان لحقها تاج الملك ، واعتذر بأن مستحفظ القلعة حبسه ، وأنه هرب منه إليها ، فقبلت عذره .

وأما بركيارق فإنه لما قاربت خاتون ، وابنها محمود أصبهان خرج منها هو ، ومن معه من النظامية ، وساروا نحو الري ، فلقيهم أرغش النظامي في عساكره ، ومعه جماعة من الأمراء ، وصاروا يدا واحدة ، وإنما حمل النظامية على الميل إلى بركيارق كراهتهم لتاج الملك لأنه كان عدو نظام الملك ، والمتهم بقتله ، فلما اجتمعوا حصروا قلعة طبرك وأخذوها عنوة ، فسيرت خاتون العساكر إلى قتال بركيارق ، [ ص: 364 ] فالتقى العسكران بالقرب من بروجرد ، فانحاز جماعة من الأمراء الذين في عسكر خاتون إلى بركيارق ، منهم : الأمير يلبرد وكمشتكين الجاندار ، وغيرهما ، فقوي بهم ، وجرت الحرب بينهم أواخر ذي الحجة ، واشتد القتال فانهزم عسكر خاتون وعادوا إلى أصبهان ، وسار بركيارق في أثرهم فحصرهم بأصبهان .

التالي السابق


الخدمات العلمية