الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الحرب بين ألب أرسلان وقتلمش .

سمع ألب أرسلان أن شهاب الدولة قتلمش ، وهو من السلجوقية أيضا ، وهو جد الملوك أصحاب قونية ، وقيصرية ، وأقصرا ، وملطية ، يومنا هذا ، قد عصى عليه ، وجمع جموعا كثيرة ، وقصد الري ليستولي عليها ، فجهز ألب أرسلان جيشا عظيما وسيرهم على المفازة إلى الري ، فسبقوا قتلمش إليها .

وسار ألب أرسلان من نيسابور أول المحرم من هذه السنة ، فلما وصل إلى دامغان أرسل إلى قتلمش ينكر عليه فعله ، وينهاه عن ارتكاب هذه الحال ، ويأمره بتركها ، فإنه يرى له القرابة والرحم ، فأجاب قتلمش جواب مغتر بمن معه من الجموع ، ونهب قرى الري ، وأجرى الماء على وادي الملح ، وهي سبخة ، فتعذر سلوكها ، فقال نظام الملك : قد جعلت لك من خراسان جندا ينصرونك ولا [ ص: 193 ] يخذلونك ، ويرمون دونك بسهام لا تخطئ ، وهم العلماء والزهاد ، فقد جعلتهم بالإحسان إليهم من أعظم أعوانك .

وقرب السلطان من قتلمش ، فلبس نظام الملك السلاح ، وعبأ الكتائب ، واصطف العسكران .

وكان قتلمش يعلم علم النجوم ، فوقف ونظر ، فرأى أن طالعه في ذلك اليوم قد قارنه نحوس لا يرى معها ظفرا ، فقصد المحاجزة ، وجعل السبخة بينه وبين ألب أرسلان ليمتنع من اللقاء . فسلك ألب أرسلان طريقا في الماء ، وخاض غمرته ، وتبعه العسكر ، فطلع منه سالما هو وعسكره ، فصاروا مع قتلمش واقتتلوا ، فلم يثبت عسكر قتلمش لعسكر السلطان ، وانهزموا لساعتهم ، ومضى منهزما إلى قلعة كردكوه ، وهي من جملة حصونه ومعاقله ، واستولى القتل والأسر على عسكره ، فأراد السلطان قتل الأسرى ، فشفع فيهم نظام الملك فعفا عنهم وأطلقهم .

ولما سكن الغبار ، ونزل العسكر ، وجد قتلمش ميتا ملقى على الأرض لا يدرى كيف كان موته ، قيل : إنه مات من الخوف ، والله أعلم ، فبكى السلطان لموته ، وقعد لعزائه ، وعظم عليه فقده ، فسلاه نظام الملك ، ودخل ألب أرسلان إلى مدينة الري آخر المحرم من السنة .

ومن العجب أن قتلمش هذا كان يعلم علم النجوم ، قد أتقنه ، مع أنه تركي ، ويعلم غيره من علوم القوم ، ثم إن أولاده من بعده لم يزالوا يطلبون هذه العلوم الأولية ، ويقربون أهلها ، فنالهم بهذا غضاضة في دينهم ، وسيرد من أخبارهم ما يعلم ( منه ذلك ) وغيره من أحوالهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية