الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 283 ] ذكر مسير الشيخ أبي إسحاق إلى السلطان في رسالة .

في هذه السنة ، في ذي الحجة ، أوصل الخليفة المقتدي بأمر الله الشيخ أبا إسحاق الشيرازي إلى حضرته ، وحمله رسالة إلى السلطان ملكشاه ، ونظام الملك ، تتضمن الشكوى من العميد أبي الفتح بن أبي الليث ، عميد العراق ، وأمره أن ينهي ما يجري على البلاد من النظار . فسار فكان كلما وصل إلى مدينة من بلاد العجم يخرج أهلها بنسائهم وأولادهم يتمسحون بركابه ، ويأخذون تراب بغلته للبركة .

وكان في صحبته جماعة من أعيان بغداذ ، منهم الإمام أبو بكر الشاشي وغيره .

ولما وصل إلى ساوة خرج جميع أهلها ، وسأله فقهاؤها كل منهم أن يدخل بيته ، فلم يفعل ، ولقيه أصحاب الصناعات ، ومعهم ما ينثرونه على محفته ، فخرج الخبازون ينثرون الخبز ، وهو ينهاهم ، فلم ينتهوا ، وكذلك أصحاب الفاكهة ، والحلواء ، وغيرهم ، وخرج إليه الأساكفة ، وقد عملوا مداسات لطافا تصلح لأرجل الأطفال ، ونثروها ، فكانت تسقط على رءوس الناس ، فكان الشيخ يتعجب ، ويذكر ذلك لأصحابه بعد رجوعه ، ويقول : ما كان حظكم من ذلك النثار ؟ فقال له بعضهم : ما كان حظ سيدنا منه ، فقال : [ أما ] أنا فغطيت بالمحفة ، وهو يضحك ، فأكرمه السلطان ونظام الملك ، وجرى بينه وبين إمام الحرمين أبي المعالي الجويني مناظرة بحضرة نظام الملك ، وأجيب إلى جميع ما التمسه ، ولما عاد أهين العميد ( وكسر عما كان يعتمده ) ، ورفعت يده عن جميع ما يتعلق بحواشي الخليفة .

ولما وصل الشيخ إلى بسطام خرج إليه السهلكي ، شيخ الصوفية بها ، وهو شيخ كبير ، فلما سمع الشيخ أبو إسحاق بوصوله خرج إليه ماشيا ، فلما رآه السهلكي ألقى [ ص: 284 ] نفسه من دابة كان عليها ، وقبل يد الشيخ أبي إسحاق ، فقبل أبو إسحاق رجله ، وأقعده موضعه ، وجلس أبو إسحاق بين يديه ، وأظهر كل واحد منهما من تعظيم صاحبه كثيرا ، وأعطاه شيئا من حنطة ذكر أنها من عهد أبي يزيد البسطامي ، ففرح بها أبو إسحاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية