الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الخلف بين جلال الدولة وقرواش صاحب الموصل في هذه السنة اختلف جلال الدولة ملك العراق وقرواش بن المقلد العقيلي صاحب الموصل .

وكان سبب ذلك أن قرواشا كان قد أنفذ عسكرا سنة إحدى وثلاثين [ وأربعمائة ] فحصروا خميس بن ثعلب بتكريت ، وجرى بين الطائفتين حرب شديدة في ذي القعدة منها ، فأرسل خميس ولده إلى الملك جلال الدولة ، وبذل بذولا كثيرة ليكف عنه قرواشا ، فأجابه إلى ذلك ، وأرسل إلى قرواش يأمره بالكف عنه ، فغالط ولم يفعل ، وسار بنفسه ونزل عليه يحاصره ، فتأثر جلال الدولة منه .

ثم إنه أرسل كتبا إلى الأتراك ببغداد يفسدهم ، وأشار عليهم بالشغب على الملك وإثارة الفتنة معه ، فوصل خبرها إلى جلال الدولة ، وأشياء أخر كانت هذه هي [ ص: 20 ] الأصل ، فأرسل جلال الدولة أبا الحارث أرسلان البساسيري في صفر من سنة اثنتين وثلاثين ليقبض على نائب قرواش بالسندية ، فسار ومعه جماعة من الأتراك ، ( وتبعه جمع من العرب ) فرأى في طريقه جمالا لبني عيسى ، فتسرع إليها الأتراك والعرب فأخذوا منها قطعة ، وأوغل الأتراك في الطلب .

وبلغ الخبر إلى العرب ، وركبوا وتبعوا الأتراك ، وجرى بين الطائفتين حرب انهزم فيها الأتراك ، وأسر منهم جماعة ، وعاد المنهزمون فأخبروا البساسيري بكثرة العرب ، فعاد ولم يصل إلى مقصده .

وسار طائفة من بني عيسى ، فكمنوا بين صرصر وبغداذ ليفسدوا في السواد ، فاتفق أن وصل بعض أكابر القواد الأتراك ، فخرجوا عليه فقتلوه وجماعة من أصحابه ، وحملوا إلى بغداذ ، فارتج البلد واستحكمت الوحشة مع معتمد الدولة قرواش ، فجمع جلال الدولة العساكر وسار إلى الأنبار ، وهي لقرواش ، على عزم أخذها منه وغيرها من أقطاعه بالعراق ، فلما وصلوا إلى الأنبار أغلقت ، وقاتلهم أصحاب قرواش ، وسار قرواش من تكريت إلى خصة على عزم القتال ، فلما نزل الملك جلال الدولة على الأنبار قلت عليهم العلوفة ، فسار جماعة من العسكر والعرب إلى الحديثة ليمتاروا منها ، فخرج عليهم عندها جمع كثير من العرب ، فأوقعوا بهم ، فانهزم بعضهم وعادوا إلى العسكر ، ونهبت العرب ما معهم من الدواب التي تحمل الميرة ، وبقي المرشد أبو الوفاء وهو المقدم على العسكر الذين ساروا لإحضار الميرة ، وثبت معه جماعة .

ووصل الخبر إلى جلال الدولة أن المرشد أبا الوفاء ( يقاتل ، وأخبر سلامته وصبره للعرب ) وأنهم يقاتلونه وهو يطلب النجدة ، فسار الملك إليه بعسكر ، فوصلوا وقد عجز العرب عن الوصول إليه ، وعادوا عنه بعد أن حملوا عليه وعلى من [ ص: 21 ] معه عدة حملات صبر لها في قلة من معه . ‏ ثم اختلفت عقيل على قرواش ، فراسل جلال الدولة وطلب رضاه ، وبذل له بذلا أصلحه به ، وعاد إلى طاعته ، فتحالفا وعاد كل إلى مكانه .

التالي السابق


الخدمات العلمية