في هذه السنة دخل السلطان ملكشاه بغداذ في ذي الحجة ، بعد أن فتح حلب وغيرها من بلاد الشام ، والجزيرة ، وهي أول قدمة قدمها ، ونزل بدار المملكة ، وركب [ ص: 311 ] من الغد إلى الحلبة ، ولعب بالجوكان والكرة ، وأرسل إلى الخليفة هدايا كثيرة ، فقبلها الخليفة ، ومن الغد أرسل نظام الملك إلى الخليفة خدمة كثيرة ، فقبلها ، وزار السلطان ونظام الملك مشهد موسى بن جعفر ، وقبر معروف ، وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة ، وغيرها من القبور المعروفة ، فقال ابن زكرويه الواسطي يهنئ نظام الملك بقصيدة منها :
زرت المشاهد زورة مشهودة ، أرضت مضاجع من بها مدفون فكأنك الغيث استهل بتربها
، وكأنها بك روضة ومعين فازت قداحك بالثواب وأنجحت
ولك الإله على النجاح ضمين
وهي مشهورة .
وطلب نظام الملك إلى دار الخلافة ليلا ، فمضى في الزبزب ، وعاد من ليلته ، ومضى السلطان ونظام الملك إلى الصيد في البرية ، فزارا المشهدين : مشهد أمير المؤمنين علي ، ومشهد الحسين ، عليه السلام ، ودخل السلطان البر ، فاصطاد شيئا كثيرا من الغزلان وغيرها ، وأمر ببناء منارة القرون بالسبيعي ، وعاد السلطان إلى بغداذ ، ودخل إلى الخليفة ، فخلع عليه الخلع السلطانية .
ولما خرج من عنده لم يزل نظام الملك قائما يقدم أميرا أميرا إلى الخليفة ، وكلما قدم أميرا يقول : هذا العبد فلان بن فلان ، وأقطاعه كذا وكذا ، وعدة عسكره كذا وكذا ، إلى أن أتى على آخر الأمراء ، وفوض الخليفة إلى السلطان أمر البلاد والعباد ، وأمره بالعدل فيهم ، وطلب السلطان أن يقبل يد الخليفة ، فلم يجبه ، فسأل أن يقبل خاتمه ، فأعطاه إياه فقبله ، ووضعه على عينه ، وأمره الخليفة بالعود فعاد .
وخلع الخليفة أيضا على نظام الملك ، ودخل نظام الملك إلى المدرسة النظامية ، وجلس في خزانة الكتب ، وطالع فيها كتبا ، وسمع الناس عليه بالمدرسة جزء [ ص: 312 ] حديث ، وأملى جزءا آخر .
وأقام السلطان ببغداذ إلى صفر سنة ثمانين [ وأربعمائة ] ، وسار منها إلى أصبهان .