ذكر الملك محمود وما كان من حال ابنه الأكبر بركيارق إلى أن ملك ملك ابنه
لما مات كتمت زوجته السلطان ملكشاه تركان خاتون موته ، كما ذكرناه ، وأرسلت إلى الأمراء سرا فأرضتهم ، واستحلفتهم لولدها محمود ، وعمره أربع سنين ، وشهور ، وأرسلت إلى في الخطبة لولدها أيضا . فأجابها ، وشرط أن يكون اسم السلطنة لولدها ، والخطبة له ، ويكون المدبر لزعامة الجيوش ، ورعاية البلد - هو الأمير الخليفة المقتدي أنر ، ويصدر عن رأي تاج الملك ، ويكون ترتيب [ ص: 363 ] العمال ، وجباية الأموال إلى تاج الملك أيضا ، وكان تاج الملك هو الذي يدبر الأمر بين يدي خاتون .
فلما جاءت رسالة الخليفة إلى خاتون بذلك امتنعت من قبوله ، فقيل لها :
إن ولدك صغير ، ولا يجيز الشرع ولايته ، وكان المخاطب لها في ذلك ، فأذعنت له ، وأجابت إليه ، فخطب لولدها ، ولقب ناصر الدنيا والدين ، وكانت الخطبة يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال من السنة ، وخطب له بالحرمين الشريفين . الغزالي
ولما مات أرسلت السلطان ملكشاه تركان خاتون إلى أصبهان في القبض على بركيارق ابن السلطان ، وهو أكبر أولاده ، خافته أن ينازع ولدها في السلطنة ، فقبض عليه ، فلما ظهر موت ملكشاه وثب المماليك النظامية على سلاح كان لنظام الملك بأصبهان ، فأخذوه وثاروا في البلد ، وأخرجوا بركيارق من الحبس ، وخطبوا له بأصبهان وملكوه ، وكانت والدة بركيارق زبيدة ابنة ياقوتي بن داود ، وهي ابنة عم ملكشاه - خائفة على ولدها من خاتون أم محمود ، فأتاها الفرج بالمماليك النظامية .
وسارت تركان خاتون من بغداذ إلى أصبهان ، فطالب العسكر تاج الملك بالأموال ، فوعدهم ، فلما وصلوا إلى قلعة برجين صعد إليها لينزل الأموال منها ، فلما استقر فيها عصى على خاتون ، ولم ينزل خوفا من العسكر ، فساروا عنه ، ونهبوا خزائنه ، فلم يجدوا بها شيئا ، فإنه كان قد علم ما جرى ، فاستظهر وأخفاه .
ولما وصلت تركان خاتون إلى أصبهان لحقها تاج الملك ، واعتذر بأن مستحفظ القلعة حبسه ، وأنه هرب منه إليها ، فقبلت عذره .
وأما بركيارق فإنه لما قاربت خاتون ، وابنها محمود أصبهان خرج منها هو ، ومن معه من النظامية ، وساروا نحو الري ، فلقيهم أرغش النظامي في عساكره ، ومعه جماعة من الأمراء ، وصاروا يدا واحدة ، وإنما حمل النظامية على الميل إلى بركيارق كراهتهم لتاج الملك لأنه كان عدو نظام الملك ، والمتهم بقتله ، فلما اجتمعوا حصروا قلعة طبرك وأخذوها عنوة ، فسيرت خاتون العساكر إلى قتال بركيارق ، [ ص: 364 ] فالتقى العسكران بالقرب من بروجرد ، فانحاز جماعة من الأمراء الذين في عسكر خاتون إلى بركيارق ، منهم : الأمير يلبرد وكمشتكين الجاندار ، وغيرهما ، فقوي بهم ، وجرت الحرب بينهم أواخر ذي الحجة ، واشتد القتال فانهزم عسكر خاتون وعادوا إلى أصبهان ، وسار بركيارق في أثرهم فحصرهم بأصبهان .