ذكر آقسنقر ، وملك قتل قسيم الدولة تتش حلب والجزيرة وديار بكر ، وأذربيجان وهمذان ، والخطبة له ببغداذ
في هذه السنة ، في جمادى الأولى ، قتل ، جد ملوكنا قسيم الدولة آقسنقر بالموصل الآن ، أولاد الشهيد زنكي بن آقسنقر .
[ ص: 379 ] وسبب قتله أن لما عاد من تاج الدولة تتش أذربيجان منهزما لم يزل يجمع العساكر ، فكثرت جموعه ، وعظم حشده ، فسار في هذا التاريخ عن دمشق نحو حلب ليطلب السلطنة ، فاجتمع ، قسيم الدولة آقسنقر وبوزان ، وأمدهما ركن الدين بركيارق بالأمير كربوقا الذي صار بعد صاحب الموصل ، فلما اجتمعوا ساروا إلى طريقه ، فلقوه عند نهر سبعين قريبا من تل السلطان ، بينه وبين حلب ستة فراسخ ، واقتتلوا ، واشتد القتال ، فخامر بعض العسكر الذين مع آقسنقر ، فانهزموا ، وتبعهم الباقون ، فتمت الهزيمة ، وثبت آقسنقر ، فأخذ أسيرا ، وأحضر عند تتش ، فقال له : لو ظفرت بي ما كنت صنعت ؟ قال : كنت أقتلك ! فقال له : أنا أحكم عليك بما كنت تحكم علي ، فقتله صبرا .
وسار نحو حلب ، وكان قد دخل إليها كربوقا ، وبوزان ، فحفظاها منه ، وحصرها تتش ولج في قتالها حتى ملكها ، ( سلمها إليه المقيم بقلعة الشريف ، ومنها دخل البلد ، وأخذهما أسيرين ، وأرسل إلى حران والرها ليسلموه من بهما - وكانتا لبوزان - فامتنعوا من التسليم إليه ، فقتل بوزان ، وأرسل رأسه إليهم ) وتسلم البلدين .
وأما كربوقا فإنه أرسله إلى حمص ، فسجنه بها إلى أن أخرجه الملك رضوان بعد قتل أبيه تتش .
وكان قسيم الدولة أحسن الأمراء سياسة لرعيته ، وحفظا لهم ، وكانت بلاده بين رخص عام ، وعدل شامل ، وأمن واسع ، وكان قد شرط على أهل كل قرية من بلاده ، متى أخذ عندهم قفل ، أو أحد من الناس ، غرم أهلها جميع ما يؤخذ من [ ص: 380 ] الأموال من قليل وكثير ، فكانت السيارة ، إذا بلغوا قرية من بلاده ، ألقوا رحالهم وناموا ، وحرسهم أهل القرية إلى أن يرحلوا ، فأمنت الطرق .
وأما وفاؤه ، وحسن عهده ، فيكفيه فخرا أنه قتل في حفظ بيت صاحبه وولي نعمته .
فلما ملك تتش حران والرها سار إلى الديار الجزرية فملكها جميعها ، ثم ملك ديار بكر وخلاط ، وسار إلى أذربيجان فملك بلادها كلها ، ثم سار منها إلى همذان فملكها ، ورأى بها فخر الملك بن نظام الملك ، وكان بخراسان ، فسار منها إلى السلطان بركيارق ليخدمه ، فوقع عليه الأمير قماج ، وهو من عسكر محمود ابن السلطان ملكشاه بأصبهان ، فنهب فخر الملك ، فهرب منه ونجا بنفسه ، فجاء إلى همذان فصادفه تتش بها ، فأراد قتله ، فشفع فيه ياغي سيان ، وأشار عليه أن يستوزره لميل الناس إلى بيته ، فاستوزره ، وأرسل إلى بغداذ يطلب الخطبة من الخليفة ، وكان شحنته المستظهر بالله ببغداذ أيتكين جب ، فلازم الخدمة بالديوان ، وألح في طلبها ، فأجيب إلى ذلك بعد أن سمعوا أن بركيارق قد انهزم من عسكر عمه تتش ، على ما نذكره .