ذكر المستنصر ، وولاية ابنه المستعلي وفاة
في هذه السنة ، ثامن عشر ذي الحجة ، توفي لإعزاز المستنصر بالله أبو تميم معد بن أبي الحسن علي الظاهر دين الله العلوي ، صاحب مصر والشام ، وكانت خلافته ستين سنة وأربعة أشهر ، وكان عمره سبعا وستين سنة ، وهو الذي خطب له البساسيري ببغداذ ، وقد ذكرنا ذلك .
وكان ، رئيس هذه الطائفة الحسن بن الصباح الإسماعيلية ، قد قصده في زي تاجر ، واجتمع به ، وخاطبه في إقامة الدعوة له ببلاد العجم ، فعاد ودعا الناس إليه سرا ، ثم أظهرها ، وملك القلاع ، كما ذكرناه ، وقال للمستنصر : من إمامي بعدك ؟ فقال : ابني نزار ، وهو أكبر أولاده ، والإسماعيلية إلى يومنا هذا يقولون بإمامة نزار .
ولقي المستنصر شدائد وأهوالا ، وانفتقت عليه الفتوق بديار مصر ، أخرج فيها أمواله وذخائره إلى أن بقي لا يملك غير سجادته التي يجلس عليها ، وهو مع هذا صابر غير خاشع ، وقد أتينا على ذكر هذا سنة سبع وستين وأربعمائة وغيرها .
ولما مات ولي بعده ابنه ، ومولده في المحرم سنة سبع وستين وأربعمائة ، وكان قد عهد في حياته بالخلافة لابنه أبو القاسم أحمد المستعلي بالله نزار ، فخلعه الأفضل وبايع المستعلي بالله .
وسبب خلعه أن الأفضل ركب مرة ، أيام المستنصر ، ودخل دهليز القصر من [ ص: 384 ] باب الذهب راكبا ، ونزار خارج ، والمجاز مظلم ، فلم يره الأفضل ، فصاح به نزار :
انزل ، يا أرمني ، كلب ، عن الفرس ، ما أقل أدبك فحقدها عليه ، فلما مات المستنصر خلعه خوفا منه على نفسه ، وبايع المستعلي ، فهرب نزار إلى الإسكندرية ، وبها ناصر الدولة أفتكين ، فبايعه أهل الإسكندرية ، وسموه المصطفى لدين الله ، فخطب الناس ، ولعن الأفضل ، وأعانه أيضا القاضي جلال الدولة بن عمار ، قاضي الإسكندرية ، فسار إليه الأفضل ، وحاصره بالإسكندرية ، فعاد عنه مقهورا ، ثم ازداد عسكرا ، وسار إليه فحصره وأخذه ، وأخذ أفتكين فقتله ، وتسلم المستعلي نزارا فبنى عليه حائطا فمات ، وقتل القاضي جلال الدولة بن عمار ومن أعانه .