ذكر كمشتكين القيصري شحنة إلى بغداذ والفتنة بينه وبين إيلغازي وسقمان وصدقة وصول
في هذه السنة ، منتصف ربيع الأول ، ورد كمشتكين القيصري إلى بغداذ ، شحنة ، أرسله إليها ، وقد ذكرنا في السنة المتقدمة رحيل السلطان بركيارق بركيارق من [ ص: 483 ] أصبهان إلى همذان ، فلما وصلها أرسل إلى بغداذ كمشتكين شحنة فلما سمع ، وهو شحنة إيلغازي ببغداذ ، للسلطان محمد ، أرسل إلى أخيه ، صاحب سقمان بن أرتق حصن كيفا ، يستدعيه إليه ليعتضد به على منعه ، وسار إلى سيف الدولة صدقة بالحلة ، واجتمع به ، وسأله تجديد عهد في دفع من يقصده من جهة بركيارق ، فأجابه إلى ذلك وحلف له ، فعاد . إيلغازي
وورد سقمان في عساكر ، ونهب في طريقه تكريت ، وسبب تمكنه منها أنه أرسل جماعة من التركمان إلى تكريت ، ومعهم أحمال جبن ، وسمن وعسل ، فباعوا ما معهم ، وأظهروا أن سقمان قد عاد عن الانحدار ، فاطمأن أهل البلد ، ووثب التركمان ، تلك الليلة ، على الحراس فقتلوهم ، وفتحوا الأبواب ، وورد إليها سقمان ، ودخلها ونهبها ، ولما وصل إلى بغداذ نزل بالرملة .
وأما كمشتكين فوصل ، أول ربيع الأول ، إلى قرميسين ، وأرسل إلى من له هوى مع بركيارق ، وأعلمهم بقربه منهم ، فخرج إليه جماعة منهم ، فلقوه بالبندنيجين ، وأعلموه الأحوال ، وشاروا عليه بالمعاجلة ، فأسرع السير ، فوصل إلى بغداذ منتصف ربيع الأول ، ففارق داره ، واجتمع بأخيه إيلغازي سقمان ، وأصعدا من الرملة ، ونهبا بعض قرى دجيل ، فسار طائفة من عسكر كمشتكين وراءهما ، ثم عادوا عنهما ، وخطب للسلطان بركيارق ببغداذ فأرسل كمشتكين القيصري إلى ، ومعه حاجب من ديوان الخليفة ، في طاعة سيف الدولة صدقة بركيارق ، فلم يجب إلى ذلك ، وكشف القناع ببغداذ في مخالفته ، وسار من الحلة إلى جسر صرصر ، فقطعت خطبة بركيارق ببغداذ ، ولم يذكر على منابرها أحد من السلاطين ، واقتصر الخطباء على الدعاء للخليفة لا غير .
ولما وصل سيف الدولة إلى صرصر أرسل إلى إيلغازي وسقمان ، وكانا بحربى ، يعرفهما أنه قد أتى لنصرتهما ، فعادا ونهبها دجيلا ، ولم يبقيا على قرية كبيرة ولا صغيرة ، وأخذت الأموال ، وافتضت الأبكار ، ونهب العرب والأكراد الذين مع سيف الدولة بنهر ملك ، إلا أنهم لم ينقل عنهم مثل التركمان من أخذ النساء والفساد معهن ، ولكنهم استقصوا في أخذ الأموال بالضرب والإحراق ، وبطلت معايش الناس ، وغلت الأسعار ، فكان الخبز يساوي عشرة أرطال بقيراط ، فصار ثلاثة أرطال بقيراط ، وجميع الأشياء كذلك . [ ص: 484 ] فأرسل الخليفة إلى سيف الدولة في الإصلاح ، فلم تستقر قاعدة ، وعاد إيلغازي وسقمان ومعهما من دبيس بن سيف الدولة صدقة دجيل ، فخيموا بالرملة ، فقصدهم جماعة كثيرة من العامة ، فقاتلوهم ، فقتل من العامة أربعة نفر ، وأخذ منهم جماعة ، فأطلقوا بعد أن أخذت أسلحتهم وازداد الأمر شدة على الناس ، فأرسل الخليفة قاضي القضاة أبا الحسن بن الدامغاني ، وتاج الرؤساء بن الموصلايا إلى سيف الدولة يأمره بالكف عن الأمر الذي هو ملابسه ، ويعرفه ما الناس فيه ، ويعظم الأمر عليه ، فأظهر طاعة الخليفة إن أخرج القيصري من بغداذ ، وإلا فليس غير السيف ، وأرعد وأبرق .
فلما عاد الرسول استقر الأمر على إخراج القيصري من بغداذ ، ففارقها ثاني عشر ربيع الآخر ، وسار إلى النهروان ، وعاد سيف الدولة إلى بلده ، وأعيدت خطبة السلطان محمد ببغداذ ، وسار القيصري إلى واسط ، فخاف الناس منه ، وأرادوا الانحدار منها ليأمنوا ، فمنعهم القيصري ، وخطب لبركيارق بواسط ، ونهبوا كثيرا من سوادها .
فلما سمع صدقة ذلك سار إلى واسط ، فدخلها ، وعدل في أهلها ، وكف عسكره عن أذاهم ، ووصل إليه إيلغازي بواسط ، وفارقها القيصري ، ونزل متحصنا بدجلة ، فقيل لسيف الدولة : إن هناك مخاضة ، فسار إليها بعسكره وقد لبسوا السلاح ، فلما رآهم عسكر القيصري تفرقوا عنه ، وبقي في خواص أصحابه ، فطلب الأمان من سيف الدولة ، فأمنه ، فحضر عنده ، فأكرمه ، وقال له : قد سمنت ، قال : وتركتنا نسمن ؟ أخرجتنا من بغداذ ، ثم من واسط ، ونحن لا نعقل .
ثم بذل صدقة الأمان لجميع عسكر واسط ، ومن كان مع القيصري ، سوى رجلين ، فعادا إليه فأمنهما ، وعاد القيصري إلى بركيارق ، وأعيدت خطبة السلطان محمد بواسط ، وخطب بعده لسيف الدولة وإيلغازي ، واستناب كل واحد منهما فيها ولده ، وعادوا عنها في العشرين من جمادى الأولى ، وأمن أهل واسط مما كانوا يخافونه . فأما فإنه أصعد إلى إيلغازي بغداذ ، وأما فإنه عاد إلى سيف الدولة صدقة الحلة ، وأرسل ولده الأصغر منصورا مع إلى إيلغازي يسأله الرضا عنه ، فإنه كان قد سخط بسبب هذه الحادثة ، فوصل إلى المستظهر بالله بغداذ وخاطب في ذلك ، فأجيب إليه .