لم يصدق عليها ولا على ولدها ; لأن حق أمية الولد لها ، وحقيقة الحرية للولد تثبت من حيث الظاهر ، فإن من في يده شيء فالظاهر أنه ملكه ; ولهذا لو نازعه غيره فيه كان القول قوله ، فلا يصدقه في إبطال حقهما ، ولكنه مصدق فيما يقر به على نفسه ، وقد أقر أنها كانت مغصوبة في يده ، وأنه ضامن لقيمتها عند تعذر رد عينها ، وقد تعذر رد العين بفعله فلهذا يلزمه قيمتها للمقر له ( قال : ) ولا يضمن قيمة الولد ، ولم يتعرض للعقر ، وذكر المسألة في اختلاف ( رجل ) غصب من رجل جارية فوطئها فولدت منه ، ثم حضر صاحبها فادعاها ، ولم يكن له بينة فأقر له بها ذو اليد زفر ويعقوب رحمهما الله على أن قول يضمن قيمة الولد والعقر ، وعلى قول زفر أبي يوسف لا يضمن ذلك . وجه قول أنه أقر بوجوب العقر عليه ; لأنه يزعم أنه وطئها ، وهي مغصوبة في يده ، والوطء في ملك الغير لا ينفك عن حد أو عقر ، وقد سقط الحد بشبهة فيجب العقر ، كذلك إن زفر كالأم فيضمن قيمته ; لأن الغاصب يضمن قيمة الولد بالمبيع أو يجعل هذا بمنزلة المغرور ، وولد المغرور حر بالقيمة ، وعلى المغرور عقرها للمستحق فهذا مثله . وجه قول أقر أن الولد ملك المقر له ، وقد احتبس عنده بفعله أبي يوسف أن ما يلزمه من الضمان إنما يلزمه بإقراره ، وهو ما أقر بوجوب العقر عليه إنما أقر بوجوب الحد عليه ; لأن وطء الجارية المغصوبة يوجب الحد على الغاصب دون المقر .
وكذلك لا يكون مضمونا على الغاصب إلا بمنع منه ، ولم يوجد ذلك منه في الولد ، وإنما امتنع رده لحريته شرعا فهو كما لو امتنع رده بموته ، فعرفنا أنه ما أقر على نفسه بوجوب العقر ولا بوجوب قيمة الولد ، فلا يلزمه ذلك ، فإن ولد المغصوبة منه ، قضي له بها وبولدها ; لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ، ولم يذكر العقر [ ص: 71 ] وينبغي أن يقضي له بالعقر ; لأن ذا اليد لما أنكر فقد صار إنكاره شبهة في إسقاط الحد عنه ، وقد أثبت بالبينة أنه وطئ ملك الغير فيلزمه العقر ، فإن كان المدعي أقام البينة أنها جاريته غصبها هذا ( قال : ) لا أستحلفه على شيء من ذلك إلا أن يدعي الذي هي في يديه ; لأن القاضي نصب لفصل الخصومات لا لتهييجها ، ولأن الاستحلاف يترتب على دعوى صحيحة ، فإن لم يدع ذو اليد ذلك ، فلا معنى للاستحلاف ، وإذا ادعاه فحينئذ يستحلف ; لأنه يدعي عليه ما لو أقر به لزمه . لم يقل الشهود غصبها ولم يقر الذي هي في يديه ، ولكنه قال : اشتريتها من فلان فأردت أن يقضي بالجارية للذي أقام البينة ، هل يستحلفه بالله ما بعته ولا أذنت له فيه ، ولم يدع ذو اليد شيئا من ذلك
( وروي ) عن أبي يوسف رحمه الله : أن القاضي يستحلفه ، وإن لم يطلب ذو اليد ذلك صيانة لقضاء نفسه . وإن أخذ رب الجارية الثمن من البائع ; لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ، ولأن إجازة البيع في الانتهاء بمنزلة الإذن في الابتداء . أقام الذي هي في يديه البينة على تسليمه المبيع
فإن تصادق الأول والجارية على أنه كان أعتقها قبل هذا البيع لم يصدقا على ذلك ; لأنها صارت مملوكة للمشتري بما أثبت من البيع وإجازة المالك بالبينة ، فلا يصدقان على إبطال ملكه ، ولكن إن أقامت الجارية البينة أن الأول كان أعتقها قبل أن يشتريها هذا فإنها تعتق ; لأنها أثبتت حريتها بإعتاق من كان يملكها بالحجة ، ثم يتبين بطلان البيع فيرجع المشتري على البائع بالثمن ، وعلى المشتري العقر للجارية ; لأنه وطئها بشبهة الملك ، وهي حرة والولد ولده بغير قيمة ; لأن الولد يتبع الأم في الحرية ، وقد ثبتت حريتها بالبينة فينفصل الولد عنها حرا بذلك السبب لا بالغرور ، فلهذا لا يغرم قيمة الولد .