الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال : ) وكذلك إذا غصب حديدا فجعله درعا فهو ضامن لحديد مثله ، وإن لم يقدر على ذلك ضمن قيمته . وكذلك إذا غصب صفرا فجعله كوزا ; لأنه غيره عن حاله ، وصار الغاصب مستهلكا ، وهذا الحادث حادث بفعل الغاصب لتبدل العين صورة ومعنى واسما وحكما ومقصودا ; فلهذا لا سبيل له على المصنوع ، وكان الكرخي يقول : هذا إذا كان بعد الصنعة لا يباع وزنا ، أما إذا كان يباع وزنا ينبغي أن يكون للمغصوب منه حق أخذ المصنوع إن شاء عند أبي حنيفة رحمه الله كما في البقرة لبقاء حكم الربا ، والأصح أن الجواب مطلق ; لأن اسم العين قد تبدل بصنع الغاصب ، بخلاف القلب على ما نبينه ، فإن كسر صاحب الصفر الكوز بعد ما ضمن له الغاصب قيمة صفره فعليه قيمة الكوز صحيحة ; لأن الكوز مملوك للغاصب ، وهو ملك محترم فيكون المغصوب منه الصفر في كسره كغيره .

وكذلك إن كسره قبل أن يقضي له بالقيمة ; لأن الكوز مملوك ; لأنه كان حادثا بعمله فيكون الحال قبل القضاء بالقيمة ، وبعده سواء في حقه إلا أنه يحاسبه بما عليه ; لأن المغصوب منه استوجب عليه قيمة الصفر ، والغاصب استوجب عليه قيمة الكوز فيتقاصان [ ص: 101 ] ويترادان الفضل ، فإن غصب فضة فضربها دراهم أو صاغها إناء فعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله هذا والحديد والصفر سواء ; لأن الاسم تبدل بصنعة الغاصب ، وكذلك الحكم ، فإن البقرة لا تصلح رأس مال الشركة ، والمضاربة والدراهم تصلح لذلك ، ولا معتبر بالتمكن من الإعادة ، فإن هذا موجود في الحديد والصفر ، ثم جعل هناك الثاني غير الأول ، وجعل الإناء حادثا بعمل الغاصب ، فهذا مثله وأبو حنيفة رحمه الله يقول هنا للمغصوب منه أن يأخذها ، ولا أجر للغاصب ، وعلل فقال : لأنه فضة بعينها لا تخرج من الوزن بخلاف الحديد والصفر . وبهذا الحرف يستدل الكرخي في تقسيم الجواب هناك ، ثم معنى هذا التعليل أن اسم العين لا يتبدل ; لأن اسم العين هو الذهب والفضة ، وهو يبقى بعد الصنعة إنما يتبدل اسم الصنعة ، فإن الدراهم والدنانير اسم الصنعة ، وكذلك حكم العين باق ، فإن حكم العين أنه موزون ، ويجري فيه الربا بعلة الوزن ، وتجب الزكاة فيه باعتبار العين ، فأما صلاحية رأس مال الشركة والمضاربة فهو حكم الصنعة لا حكم العين ; ولهذا يقول ما لا يتفاوت من الفلوس الرائجة في هذا الحكم كالذهب والفضة ، فإذا بقي اسم العين وحكم العين كان ذلك دليل بقاء العين المغصوب ، وإن تعذر على المغصوب منه أخذه إنما يتعذر للصنعة ، ولا قيمة للصنعة في هذه الأموال منفردة من الأصل ، وبه فارق الحديد والصفر ، فإن الصنعة هناك تخرجها من الوزن ، ومن أن تكون مال الربا ، وللصنعة في غير مال الربا قيمة مع أن اسم العين وحكمه قد تبدل هناك كما قررنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية