الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإن استعار ثوبا ليلبسه هو فأعطاه غيره فلبس فهو ضامن ; لأن الناس يتفاوتون في لبس الثوب ، ولبس القصاب والدباغ لا يكون كلبس البزاز والعطار فكان هذا تقييدا مفيدا في حق صاحب الثوب ، فإذا ألبسه المستعير غيره صار مخالفا ، وكذلك الدابة إذا استعارها ليركبها هو ; لأن الناس يتفاوتون في الركوب فرب راكب يروض الدابة ، وآخر يقتلها ، فأما إذا استعاره ولم يسم من يلبسه فأعاره غيره لم يضمن ; لأن صاحب الثوب رضي باستيفاء منفعة اللبس من ثوبه مطلقا ، فسواء لبسه المستعير أو غيره لم يكن مخالفا لما نص عليه المستعير ، وكذلك إن كان المستعار مما لا تتفاوت الناس في الانتفاع به كسكنى الدار وخدمة العبد ; لأن تقييده هنا بنفسه غير مفيد فيكون وجوده كعدمه ، وهو بناء على أصلنا أن للمستعير أن يعير ، وعند الشافعي رحمه الله تعالى ليس للمستعير أن يعير ; لأنه منتفع بملك الغير بإذنه ، فلا يكون له أن يأذن لغيره في ذلك كالمباح له الطعام لا يبيح لغيره ، وهذا لأنه يسوي غيره بنفسه فيما هو من حق الغير ، وإنما له هذه الولاية في حق نفسه لا في حق الغير ألا ترى أن الوكيل بالتصرف لا يوكل غيره به ، وحجتنا في ذلك أن المستعير مالك للانتفاع بهذه العين فيملك أن يعيره من غيره كالمستأجر ، والموصى له بالخدمة ، وهذا لما بينا أن المستعير يملك المنفعة بالعارية ، وإليه أشار بعد هذا فقال : ( من أعارك شيئا فقد جعل لك منفعة ذلك ) والدليل عليه أنه لو قال : ملكتك منفعة هذه العين كانت عارية صحيحة . فإذا ثبت أنه مالك للمنفعة فهو بالتمليك من الغير يتصرف في ملك نفسه ، ويستوي غيره بنفسه في حق نفسه ، وذلك صحيح بخلاف المباح له الطعام ، فإنه لا يملك الطعام ، وإنما يتناوله على ملك المبيح إلا أن العين بقي على ملك صاحبه ففيما يتفاوت الناس في الانتفاع به لا يعيره من غيره ، وإن كان تصرفه في ملك نفسه لدفع الضرر ، وذلك صحيح كما أن أحد الشريكين في العبد إذا كاتبه كان للآخر [ ص: 141 ] أن يفسخ لدفع الضرر عن نفسه ، والمشتري إذا تصرف في الشقص المشفوع فهو متصرف في ملكه ، ثم ينقض تصرفه لدفع الضرر على الشفيع .

التالي السابق


الخدمات العلمية