الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإن اشترى أحدهما شيئا من تجارتهما فوجد به عيبا : لم يكن للآخر أن يرده ) ; لأن الرد بالعيب من حقوق العقد ، وذلك يتعلق بالعاقد ، ولأن الآخر في النصف أجنبي ، وفي النصف موكل ، وليس للموكل أن يخاصم في العيب مع البائع فيما اشتراه وكيله . وكذلك لو أخذ أحدهما مالا مضاربة ، فربح فيه : كان الربح له خاصة ; لأن مال المضاربة ليس من شركتهما في شيء ; فعمله فيه يكون لنفسه خاصة دون شريكه ، واستحقاق المضارب الربح بعمله ، وكل وضيعة لحقت أحدهما من غير شركتهما فهي عليه خاصة ; لأن فيما ليس من شركتهما كل واحد منهما من صاحبه بمنزلة الأجنبي . وعلى هذا : لو شهد أحدهما لصاحبه بشهادة من غير شركتهما فهو جائز ; لأنه عدل لا تهمة في شهادته بخلاف ما هو من شركتهما ; فإنه متهم في شهادته ; لما له من النصيب في المشهود به . وقال أبو حنيفة : لشريك العنان أن يضع وأن يدفع المال مضاربة - وإن لم يأذن له شريكه في ذلك - ويجوز له أن يعمل في المال الذي ليس من شركتهما كل شيء يجوز للمضارب أن يعمله . وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - . وهذه المسألة تشتمل على فصول ( أحدهما ) : أن لأحد الشريكين أن يوكل بالتصرف ، وهو استحسان ، وفي القياس : ليس له ذلك ; لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه ، وليس للوكيل أن يوكل غيره . وأن الموكل إنما رضي برأيه ولم يرض برأي غيره . وفي الاستحسان : التوكيل من عادة التجار ، وكل واحد منهما لا يجد بدا منه ; لأن الربح لا يحصل إلا بالتجارة الحاضرة والغائبة ، وكل واحد منهما عاجز عن مباشرة النوعين لنفسه ، ولا يجد بدا من أن يوكل غيره بأحد النوعين ليحصل مقصودهما - وهو الربح - فيصير كل واحد منهما كالآذن لصاحبه في ذلك دلالة . ولأن الوكالة التي تتضمنها الشركة بمنزلة الوكالة العامة ، ولهذا صحت من غير بيان جنس المشترى وصفته . وفي الوكالة العامة : للوكيل أن يوكل غيره ; فإنه لو قال لوكيله : اعمل برأيك ; كان له أن يوكل غيره .

( وكذلك ) لأحد الشريكين أن يضع ; لأن ذلك من عادة التجار ، ولأنه لو استأجر من يتصرف في مال الشركة لجاز ذلك منه على شريكه . فإذا وجد من يتصرف بغير أجر كان له أن يضعه بطريق الأولى .

( وكذلك ) له أن يودع من مال الشركة ; لأن له أن يستأجر من يحفظ مال الشركة . فلأن يكون له أن يودع ليحفظ المودع بغير أجر أولى . وله أن يدفع من مال الشركة مضاربة ; لأن له أن يستأجر من يتصرف في مال الشركة بأجر مضمون في الذمة . [ ص: 176 ] فلأن يكون له أن يستأجر من يتصرف ببعض ما يحصل من عمله من غير أن يكون ذلك مضمونا في الذمة أولى ; لأن هذا أنفع لهما .

( وروى ) الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - أنه ليس له أن يدفع المال مضاربة ; لأنه إيجاب الشركة للمضارب في الربح ، فيكون بمنزلة عقد الشركة ، وليس لأحد الشريكين أن يشارك مع غيره بمال الشركة . فكذلك لا يدفعه مضاربة . وما ذكره في الكتاب أصح . ووجه الفرق بين الشركة والمضاربة : أن ما يستفاد بعقد فهو من توابع ذلك العقد ، وإنما يتبع الشيء ما هو دونه لا ما هو مثله ، أو فوقه ، والمضاربة دون الشركة . ألا ترى أنه ليس على المضارب شيء من الوضيعة ، وأن المضاربة لو فسدت لم يكن للمضارب شيء من الربح فيمكن جعل المضاربة مستفادة بعقد الشركة ; لأنه دونه ، فأما الاشتراك مع الغير مثل الأول ; فلا يمكن أن يجعل من توابعه مستفادا به ; فهو نظير . ما يقول : إن للمضارب أن يوكل ; لأن الوكالة دون المضاربة ، وليس له أن يدفع المال مضاربة ; لأن الثاني مثل الأول ; فلا يكون مستفادا به ، ولهذا لم يكن للوكيل أن يوكل بمطلق التوكيل ; لأن الثاني مثل الأول ، ولكن هذا كله في حق الغير . فأما في حق نفسه فيجوز أن يوجب لغيره مثل ماله . ولهذا كان للمكاتب أن يكاتب ، وللمأذون أن يأذن لعبده ; لأنه متصرف لنفسه بفك الحجر عنه ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية