( ومن : حرمت إن لم يكن حكم به ) اعلم أنا إذا قلنا : ينقض الاجتهاد ، فالنظر فيه حينئذ في أمرين أحدهما : فيما يتعلق بنفسه ، ومثاله ما تقدم . والثاني : فيما يتعلق بغيره وهو ما أشير إليه بقوله ( ولا يحرم على مقلد بتغير اجتهاد إمامه ) أما الأول : وهو ما يتعلق بنفسه . فإذا أداه اجتهاده إلى حكم في حق نفسه ، ثم تغير وجه اجتهاده ، كما إذا أداه اجتهاده إلى صحة النكاح بلا ولي ، ثم تغير اجتهاده ، فرأى أنه باطل ، فالأصح التحريم مطلقا واختاره اجتهد فتزوج بلا ولي ، ثم تغير اجتهاده ، وحكاه ابن الحاجب الرافعي عن الغزالي ، ولم ينقل غيره ، وقيل : لا تحريم مطلقا حكاه ابن مفلح في فروعه .
والقول الثالث : إن حكم به لم تحرم . وإلا حرمت وهو الذي قاله القاضي أبو يعلى والموفق وابن حمدان والطوفي والآمدي وجزم به البيضاوي والهندي . وهذا الذي عليه عمل الناس ; لأن حكم الحاكم بما يعتقده الحاكم : رافع للخلاف ، ولئلا يلزم نقض الحكم بتغير الاجتهاد . وأما الثاني : وهو ما يتعلق بغيره : فكما إذا أفتى مجتهد عاميا باجتهاد ، ثم تغير اجتهاده : لم تحرم عليه على الأصح ، قاله أبو الخطاب والموفق والطوفي ، وظاهر كلام ابن مفلح ; لأن عمله بفتواه كالحكم . ومعناه : أنه إذا اجتهد وحكم في واقعة ، ثم تغير اجتهاده بعد ذلك : فالحكم بالأول باق على ما كان عليه ، فكذا إذا أفتاه أو قلده ( وإن لم يعمل ) العامي ( بفتواه ) حتى تغير اجتهاد مفتيه ( لزم المفتي إعلامه ) أي إعلام [ ص: 614 ] المفتي العامي بتغير اجتهاده فيما أفتاه به ( فلو مات ) المفتي ( قبله ) أي قبل إعلامه العامي بتغير اجتهاده فقال ابن مفلح في " فروعه " : ( استمر ) في الأصح ، قال في " شرح التحرير " : وهو المعتمد . وقيل : يمتنع ( وله ) أي وللعامي ( تقليد ) مجتهد ( ميت ) كتقليد حي ; لأن قوله باق في الإجماع وهذا قول جمهور العلماء .
وفيه يقول الإمام رضي الله تعالى عنه : المذاهب لا تموت بموت أربابها . انتهى . ( كحاكم ) فإن الحكم لا يموت بموت حاكمه ( وشاهد ) فإن الشهادة لا تبطل بموت من شهد بها . وقيل : ليس للعامي تقليد الميت إن وجد مجتهدا حيا ، وإلا جاز وقيل : لا يجوز تقليده مطلقا . وهو وجه لنا وللشافعية ، فعلى الأول - وهو جواز تقليد الميت لو وجد مجتهدا حيا ولكن دون الميت - احتمل أن يقلد الميت لأرجحيته ، واحتمل أن يقلد الحي لحياته واحتمل التساوي ، وحكى الشافعي الهندي قولا رابعا في المسألة : وهو التفصيل بين أن يكون الحاكي عن الميت أهلا للمناظرة ، وهو مجتهد في مذهب الميت ، فيجوز ، وإلا فلا ( وإن عمل ) المستفتي ( بفتياه ) أي بفتيا المفتي ( في إتلاف ) نفس أو مال ( فبان خطؤه ) أي خطأ المفتي في فتياه ( قطعا ) أي بمقتضى مخالفته دليلا قاطعا ( ضمنه ) أي ضمن المفتي ما أتلفه المستفتي بمقتضى فتياه ( وكذا ) يضمن ( إن لم يكن أهلا ) للفتيا على الصحيح ، خلافا لأبي إسحاق الإسفراييني وجمع ، بل أولى بالضمان ممن هو أهل للفتيا ، قال البرماوي ، وغيره : لو عمل بفتواه في إتلاف ، ثم بان أنه أخطأ . فإن لم يخالف القاطع لم يضمن ; لأنه معذور ، وإن خالف القاطع ضمن .