( خاتمة ) يقع الترجيح بين حدود سمعية ظنية مفيدة لمعان مفردة تصورية . وهي حدود الأحكام الظنية المفيدة لمعان مفردة تصورية ، وذلك : لأن الأمارات المفضية إلى التصديقات كما يقع التعارض فيها ، ويرجح بعضها على بعض ، كذلك الحدود السمعية يقع التعارض فيها . ويرجح بعضها على بعض ، وخرج بقوله " السمعية " العقلية ، التي هي تعريف الماهيات ، فإنها ليست مقصودة هنا إذا تقرر هذا . فإنه ( يرجح من حدود سمعية : ظنية مفيد لمعان مفردة تصورية صريح ) لأن الترجيح في الحدود السمعية تارة يكون باعتبار اللفظ ، وتارة يكون باعتبار المعنى . وتارة يكون باعتبار أمر خارج .
فمن الترجيح باعتبار الألفاظ : الصراحة ، فيرجح الحد الذي بلفظ صريح على حد فيه تجوز ، أو استعارة ، أو اشتراك ، أو غرابة ، أو اضطراب . ومحل هذا : إن قلنا : إن التجوز والاستعارة والاشتراك تكون في الحدود ، والصحيح : المنع . قال الكوراني : إلا إذا اشتهر المجاز ، حيث لا يتبادر غيره ( و ) من الترجيح باعتبار [ ص: 667 ] المعنى ( أعرف ) يعني بأن يكون المعرف من أحدهما أعرف من الآخر ( و ) من الترجيح باعتبار المعنى أيضا ( أعم ) يعني بأن يكون مدلول أحدهما أعم من مدلول الآخر ، فيرجح الأعم ليتناول الأخص وغيره فتكثر الفائدة . وقيل : يقدم الأخص للاتفاق على ما يتناوله الأخص ; لتناول الحدين له والاختلاف فيما زاد على مدلول الأخص . والمتفق عليه أولى ( و ) من الترجيح باعتبار المعنى أيضا ( ذاتي ) يعني : أنه يرجح التعريف بكونه ذاتيا على كونه عرضيا ; لأن التعريف بالذاتي يفيد كنه الحقيقة ، بخلاف العرضي .
( من ذا ) أي : يقدم من هذا التعريف الذاتي ما هو ( حقيقي تام ، ف ) ما هو حقيقي ( ناقص ) فما هو ( رسمي كذلك ) يعني : أنه يقدم بعد ذلك التعريف الرسمي التام . فالتعريف الرسمي الناقص ( فلفظي ) يعني : أنه يلي الرسمي الناقص : التعريف اللفظي ( و ) يكون الترجيح في الحدود السمعية باعتبار أمر خارج أيضا فيرجح أحد الحدين ( بموافقة ) نقل شرعي ، أو لغوي ( أو ) ب ( مقارنة نقل سمعي ، أو لغوي ) على ما لا يكون كذلك ( أو عمل أهل المدينة ، أو ) عمل ( الخلفاء ) الراشدين - ( أو ) عمل ( عالم ) يعني : أنه يرجح أحد التعريفين بموافقة عمل أهل المدينة . أو بموافقة عمل الخلفاء الأربعة ، أو بموافقة الأئمة الأربعة ، أو بموافقة عمل عالم واحد على ما لا يكون كذلك ; لحصول القوة بذلك .
( و ) يرجح أحد التعريفين أيضا ( بكون طريق تحصيله أسهل ) من طريق الآخر ( أو أظهر ) من طريق الآخر . يعني : أن أحد التعريفين يرجح على الآخر برجحان طريق اكتسابه ، بأن يكون طريق اكتسابه أي اكتساب أحدهما قطعيا ، وطريق اكتساب الآخر ظنيا ، أو اكتساب أحدهما أرجح من طريق اكتساب الآخر ، بكون طريقه أسهل أو أظهر ، فيقدم الأسهل أو الأظهر على غيره ; لأنه أفضى إلى المقصود ، وأغلب على الظن ( و ) يرجح أحد التعريفين أيضا ( بتقرير حكم حظر ) على تعريف مقرر لحكم إباحة ( أو نفي ) يعني : أنه يرجح تعريف مقرر لنفي حكم على تعريف مقرر للإثبات ( أو درء حد ) يعني : أنه يرجح تعريف مقرر لدرء حد ، بأن يلزم من العمل به درء الحد ، على ما لا يكون كذلك ( أو [ ص: 668 ] ثبوت عتق ، أو ) ثبوت ( طلاق ونحوه ) يعني أنه يرجح أحد التعريفين بكونه يلزم من العمل به ثبوت عتق أو طلاق ، أو نحو ذلك على ما لا يلزم من العمل بذلك قاله ابن مفلح وغيره . ثم قال : فالترجيح به على ما سبق في الحجج .
( وضابط الترجيح ) يعني القاعدة الكلية في الترجيح ( أنه متى اقترن بأحد ) دليلين ( متعارضين أمر نقلي ) كآية أو خبر ( أو ) أمر ( اصطلاحي ) كعرف أو عادة ( عام ) ذلك الأمر ( أو خاص ، أو ) اقترن بأحد الدليلين ( قرينة عقلية ، أو ) قرينة ( لفظية ، أو ) قرينة ( حالية ، وأفاد ) ذلك الاقتران ( زيادة ظن : رجح به ) لما ذكرنا من أن رجحان الدليل هو بالزيادة في قوته أو ظن إفادته المدلول ، وذلك أمر حقيقي لا يختلف في نفسه . وإن اختلفت مداركه ( وتفاصيله ) أي : تفاصيل الترجيح ( لا تنحصر ) وذلك : لأن مثارات الظنون التي بها الرجحان والترجيح كثيرة جدا . فحصرها بعيد ; لأنك إذا اعتبرت الترجيحات في الدلائل من جهة ما يقع في المركبات من نفس الدلائل ومقدماتها ، وفي الحدود من جهة ما يقع في نفس الحدود من مفرداتها ، ثم ركبت بعضها مع بعض حصل أمور لا تكاد تنحصر . تم الكتاب بحمد الله وعونه وحسن توفيقه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم .