فصل : فإذا ثبت أن عليه مهر المثل دون المسمى ، فهل يرجع بعد غرمه على من غره أو لا ؟ على قولين :
أحدهما - وبه قال في القديم - : يرجع به : لقول عمر - رضي الله تعالى عنه - وذلك لزوجها غرم على وليها ، ولأن الغار قد ألجأه إلى التزام المهر بهذه الإصابة ، ولولاه لما لزمه المهر إلا بإصابة مستدامة في نكاح ثابت ، فجرى مجرى الشاهدين إذا ألزماه بشهادتهما غرما ثم رجعا ، لزمهما غرم ما استهلك بشهادتهما .
والقول الثاني - قاله في الجديد - : لا يرجع على الغار : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : فنكاحها باطل ، فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها نكحت بغير إذن ولي ولم يجعل للزوج الرجوع به على من غره في إذن الولي ، أو على من ادعى في نكاحها أنه ولي ، فدل على أن لا رجوع بالغرور ، ولأن غرم المهر بدل من استهلاكه للبضع واستمتاعه به ، فلم يجز أن يرجع بغرم ما أوجبه استهلاكه ، وإن كان مغرورا كالمغرور في مبيع قد استهلكه ، ولأن لا يجمع بين تملك البدل والمبدل ، وقد يملك الاستمتاع [ ص: 346 ] الذي هو معوض مبدل ، ولم يجز أن يتملك المهر الذي هو عوض بدل ، فإذا قلنا : إنه لا رجوع له على من غره ، فلا مسألة ، وإذا قلنا بالرجوع ، فلا يخلو من غره من أن يكون الزوجة أو وليها أو أجنبيا ، فإن غره الولي أو أجنبي رجع الزوج عليه بعد غرمه بما غرمه من مهر المثل ، فلو كانت الزوجة قد أبرأته منه لم يرجع به على الزوج على الغار ، ولو ردته عليه بعد قبضه ، ففي رجوعه وجهان : أيما امرأة
أحدهما : لا يرجع كالابن .
والثاني : يرجع : لأن ردها له ابتداء هبة منها ، وإن كانت هي التي غرته لم يغرم لها من المهر ما يرجع به عليها : لأنه غير مقيد ، وفيه وجهان :
أحدهما : قد سقط جميع مهرها بالغرور ، كما يرجع بجميعه على غيرها لو غره .
والوجه الثاني - وهو منصوص الشافعي في القديم - : أنه يسقط مهر المثل ، إلا أقل ما يجوز أن يكون مهرا فيلتزمه لها : لئلا يصير مستبيحا لبضعها بغير بذل .