الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن العنة عيب يثبت به خيار الفسخ فهو معتبر بشرطين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن لا يكون قد أصابها قط ، فإن أصابها مرة زال عنه حكم العنة ، لما سنذكره .

                                                                                                                                            والثاني : أن لا يقدر على إيلاج حشفة الذكر ، فإن قدر على إيلاج الحشفة - وإن استعان بيده - زال عنه حكم العنة ، فإذا تكامل الشرطان وتصادق عليهما الزوجان لم يتعجل الفسخ بها وأجل الزوج لها سنة كاملة بالأهلة .

                                                                                                                                            [ ص: 370 ] وحكي عن مالك : أنه يؤجل نصف سنة .

                                                                                                                                            وحكي عن الحارث بن أبي ربيعة أنه يؤجل عشرة أشهر ، وحكي عن سعيد بن المسيب أنها إن كانت حديثة العهد معه أجل لها سنة ، وإن كانت قديمة العهد معه أجل لها خمسة أشهر ، وكل هذه الأقاويل فاسدة لا يرجع التقدير فيها إلى أصل من جهة ، وتقدير أصله بالسنة أولى من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه مروي عن عمر : لأنه أجل العنين سنة ، وعمر لا يفعل هذا إلا عن توقيف يكون نصا أو عن اجتهاد شاور فيه الصحابة : لأنه كان كثير المشورة في الأحكام فيكون مع عدم الخلاف فيه إجماعا ، وإذا تردد بين حالين نص أو إجماع لم يجز بخلافه .

                                                                                                                                            والثاني : إن التأجيل إنما وضع ليعلم حاله ، هل هو من مرض طارئ فيرجى زواله ، أو من نقص في أصل الخلقة فلا يرجى زواله ، فكانت السنة الجامعة للفصول الأربعة أولى أن تكون أجلا معتبرا : لأن فصل الشتاء بارد رطب ، وفصل الصيف حار يابس ، وفصل الربيع حار رطب ، وفصل الخريف بارد يابس ، فإذا مر بالمرض ما يقابله من فصول السنة ظهر ، وكان سببا لبرئه ، فإن كان من برد ففصل الحر يقابله ، فإن كان من حر ففصل البرد يقابله ، وإن كان من رطوبة ففصل اليبوسة يقابله ، وإن كان من يبوسة ففصل الرطوبة يقابله ، وإن كان مركبا من نوعين فما خالفه في النوعين ، هو المقابل له ، فإذا مضت عليه الفصول الأربعة وهو بحالة لم يكن مرضا لما قيل عن علماء الطب إنه لا يسحر الداء في الجسم أكثر من سنة ، وعلم حينئذ أنه نقص لازم لأصل الخلقة فصار عيبا يوجب الخيار .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية