الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : القسم الثالث : [ أن يطلقها بعد تعليمها البعض ]

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يطلقها بعد أن علمها بعض القرآن وبقي بعضه ، فلا يخلو حال طلاقه من أحد أمرين : إما أن يكون قبل الدخول ، أو بعده .

                                                                                                                                            فإن كان بعد الدخول : فقد استقر لها جميعه .

                                                                                                                                            فإن قلنا : يعلمها بعد الطلاق ، فعليه تعليمها ما بقي من القرآن حتى تستوفي به جميع الصداق .

                                                                                                                                            وإن قلنا : لا يجوز أن يعلمها بعد الطلاق ترتب ذلك على اختلاف أصحابنا في تجزئة القرآن .

                                                                                                                                            فإن قلنا : إنه متساوي الأجزاء سقط عنه من الصداق بقدر ما علم ، كأنه علمها النصف ، فيسقط عنه نصف المهر ، وترجع ببدل نصفه الباقي على القولين :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو القديم - : بنصف أجرة التعليم .

                                                                                                                                            والثاني - وهو الجديد - : بنصف مهر المثل .

                                                                                                                                            وإن قلنا : إنه غير متساوي الأجزاء . ترتب ذلك على اختلاف قوليه فيما ترجع به عليه من بقية صداقها .

                                                                                                                                            فإن قيل بالقديم : أنها ترجع عليه بالباقي من أجرة مثل التعليم سقط هاهنا عنه من الصداق بقدر أجرة ما علم ، وبنى لها عليه بقدر أجرة مثل ما بقي على ما سنذكره من تقسيط ذلك على الأجرة لا على الأجزاء .

                                                                                                                                            وإن قيل بالجديد : إنها ترجع عليه بالباقي من مهر مثلها سقط عنه من النصف نصفه وهو الربع ؛ لأن أجزاء النصف الذي علمها قد لا تماثل أجزاء النصف الباقي لها ، فلذلك سقط عنه نصف ما علمها وهو الربع ؛ لأنه مماثل لحقها ، ورجع عليها بأجرة نصف ما علمها وهو الربع ، ورجعت هي عليه بالباقي لها وهو ثلاثة أرباع مهر المثل .

                                                                                                                                            وإن كان الطلاق قبل الدخول فلها نصف الصداق ، ولا يخلو ما علمها من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون قد علمها منه النصف .

                                                                                                                                            والثاني : أكثر من النصف .

                                                                                                                                            والثالث : أقل من النصف .

                                                                                                                                            [ ص: 415 ] فإن علمها منه النصف : ترتب ذلك على اختلاف أصحابنا في تساوي الأجزاء .

                                                                                                                                            فإن قيل : إنها متساوية فقد استوفت بالنصف حقها ، ولا تراجع بينهما .

                                                                                                                                            وإن قيل : إنها مختلفة ترتب ذلك على اختلاف قوليه فيما ترجع به عند فوات الصداق .

                                                                                                                                            فإن قيل بالقديم : إنها ترجع بأجرة التعليم تقسط ذلك على الأجرة لا على الأجزاء .

                                                                                                                                            مثاله : أن يقول كم تساوي أجرة مثل تعليم القرآن ؟ فإذا قيل : عشرة دنانير . قيل : فكم تساوي أجرة مثل النصف الذي علمها ؟ فإن قيل : ستة دنانير ؛ لأنه أصعب النصفين ، صارت مستوفية لأكثر من حقها فيرجع عليها بالفاضل وهو دينار ، وإن قيل : أجرة النصف الذي علمها أربعة دنانير ؛ لأنه أخف النصفين صارت آخذة أقل من حقها ، فترجع عليه بالباقي وهو دينار .

                                                                                                                                            فأما إذا قيل بالجديد : إنها ترجع بمهر المثل سقط عنه من النصف الذي علمها نصفه وهو الربع ، ورجع عليها بأجرة مثل تعليم الربع ، ورجعت عليه بربع مهر مثلها .

                                                                                                                                            وإن كان قد علمها أكثر من النصف كأنه علمها الثلثين من القرآن ، فإن قلنا : إنه متساوي الأجزاء ، فقد استوفت بالنصف منه حقها ، وكان له أن يرجع عليها بأجرة مثل الباقي وهو السدس ، وإن قلنا : إنه غير متساوي الأجزاء ترتب على ما ذكرناه من القولين :

                                                                                                                                            فإن قيل بالقديم : إن الرجوع يكون بأجرة المثل ، نظر أجرة مثل التعليم ؛ فإذا قيل : عشرة دنانير ، نظر أجرة مثل الثلثين الذي علمها ؛ فإن كانت خمسة دنانير فقد استوفت حقها ولا تراجع بينهما ، وإن كانت سبعة رجع عليها بدينارين ، وإن كانت أربعة رجعت عليه بدينار وإن قيل بالجديد : إن الرجوع يكون بمهر المثل سقط عنه من الصداق الثلث ، وهو نصف ما علم ورجع عليها بأجرة مثل الثلث الباقي ، ورجعت عليه بتمام النصف من صداقها وهو سدس مهر المثل .

                                                                                                                                            وإن كان قد علمها أقل من النصف كأنه علمها الثلث .

                                                                                                                                            فإن قلنا : إن القرآن متساوي الأجزاء ، وأنه يجوز أن يعلمها بعد الطلاق ، فعليه أن يعلمها تمام النصف ، وقد استوفت .

                                                                                                                                            وإن قلنا : إنه متساوي الأجزاء ، وأنه لا يجوز أن يعلمها سقط عنه من الصداق بقسط ما علم وهو الثلث ، وبقي لها تمام النصف وهو السدس ، فترجع عليه في قوله القديم بالسدس من أجرة المثل ، وعلى قوله في الجديد بالسدس من مهر المثل .

                                                                                                                                            وإن قلنا : إن القرآن غير متساوي الأجزاء ترتب على ما ذكرنا من القولين .

                                                                                                                                            فإن قيل : إن الرجوع يكون بأجرة المثل ، قومت أجرة الجميع على ما وصفنا ، فإذا [ ص: 416 ] قيل : عشرة نظرت أجرة الثلث ، فإن قيل : خمسة ، فقد استوفت ، وإن قيل : ثلاثة ، رد عليها دينارين ، وإن قيل : ستة ، ردت عليه دينارا .

                                                                                                                                            وإذا قيل : إن الرجوع يكون بمهر المثل سقط عنه من الصداق نصف الثلث وهو السدس ، ورجع عليها بأجرة مثل السدس الباقي ، ورجعت عليه ببقية النصف من الصداق وهو ثلث مهر المثل .

                                                                                                                                            وهذا الكلام في أحد فصلي المسألة ، وأرجو ألا يكون قد خرج بنا الاستيفاء إلى الإغماض .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية