الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " فإن كان فيها المعصية من المسكر ، أو الخمر ، أو ما أشبهه من المعاصي الظاهرة ، نهاهم ، فإن نحوا ذلك عنه ، وإلا لم أحب له أن يجلس ، فإن علم ذلك عندهم لم أحب له أن يجيب " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا دعي إلى وليمة وفيها خمور أو ملاهي أو ما أشبه ذلك من المعاصي ، فلا يخلو أن يكون عالما به قبل حضوره أو غير عالم ، فإن علم به قبل حضوره ، فله حالتان :

                                                                                                                                            أحدها : أن يقدر على إنكاره وإزالته ، فواجب عليه أن يحضر ؛ لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : لإجابة الداعي . والثاني : لإزالة المنكر .

                                                                                                                                            [ ص: 563 ] والحال الثانية : ألا يقدر على إزالته ، ففرض الإجابة قد سقط ، وأولى ألا يحضر ، وفي جواز حضوره وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو الأظهر - : أنه لا يجوز لما في حضوره من مشاهدة المنكر والريبة الداخلة عليه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يجب له الحضور ، وإن كره له ؛ لأنه ربما أحشمهم حضوره ، فكفوا وأقصروا ، وقد حكي أن الحسن البصري ومحمد بن كعب القرظي دعيا إلى وليمة ، فسمعا منكرا ، فقام محمد لينصرف فجذبه الحسن ، وقال : اجلس ولا يمنعك معصيتهم من طاعتك .

                                                                                                                                            وإن لم يعلم بما في الوليمة من المعاصي ، فعليه الإجابة ، ولا يكون خوفه منها عذرا في التأخير عنها ؛ لجواز ألا يكون ، فإن حضر ، وكانت بحيث لا يشاهدها ولا يسمعها أقام على حضوره ولم ينصرف ، وإن سمعها ولم يشاهدها لم يتعمد السماع ، وأقام على الحضور ؛ لأن الإنسان لو سمع في منزله معاصيا من دار غيره لم يلزمه الانتقال عن منزله ، كذلك هذا ، وإن شاهدها جاز له الانصراف ، ولم يلزمه الحضور إن لم ترفع ، وفي جواز إقامته مع حضورها إذا صرف طرفه عنها ما ذكرنا من الوجهين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية