الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
353 - ( 24 ) - قوله : يستحب عقب الفراغ من الفاتحة آمين ، ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأنه يشير إلى ما رواه الدارقطني والحاكم من طريق الزبيدي عن الزهري عن سعيد ، وأبي سلمة عن أبي هريرة ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته ، وقال : آمين }قال الدارقطني : إسناده حسن ، وقال الحاكم : صحيح على شرطهما ، وقال البيهقي : حسن صحيح .

وعند النسائي من طريق نعيم المجمر عن أبي هريرة : { صلى بنا أبو هريرة حتى بلغ ولا الضالين ، قال : آمين }ثم قال : والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم . وعلقه البخاري .

354 - ( 25 ) - حديث وائل بن حجر : { صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قال : ولا الضالين ، قال : آمين ومد بها صوته } ، الترمذي ، وأبو داود والدارقطني وابن حبان من طريق الثوري عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عنه ، وفي رواية أبي داود ، { ورفع بها صوته } ، وسنده صحيح الدارقطني ، وأعله ابن القطان بحجر بن عنبس ، وأنه لا يعرف ، وأخطأ في ذلك بل هو ثقة معروف ، قيل : له صحبة ، ووثقه يحيى بن معين وغيره ، وتصحف [ ص: 428 ] اسم أبيه على ابن حزم ، فقال فيه : حجر بن قيس ، وهو مجهول .

وهذا غير مقبول منه ، ورواه ابن ماجه من طريق أخرى عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه ، قال : { صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما قال : ولا الضالين ، قال آمين فسمعناها منه }ورواه أحمد والدارقطني من هذا الوجه بلفظ { مد بها صوته }. قال الترمذي في جامعه : رواه شعبة عن سلمة بن كهيل ، فأدخل بين حجر ، ووائل ، علقمة بن وائل ، فقال : { وخفض بها صوته }قال : وسمعت محمدا يقول : حديث سفيان أصح ، وأخطأ فيه شعبة في مواضع ، قال : عن حجر أبي العنبس ، إنما هو أبو السكن ، وزاد فيه علقمة وليس فيه علقمة وقال : { خفض بها صوته }وإنما هو { ومد بها صوته }وكذا قال أبو زرعة . قال الترمذي : وروى العلاء بن صالح عن سلمة نحو رواية سفيان ، وقال أبو بكر الأثرم : اضطرب فيه شعبة ، في إسناده ومتنه ، ورواه سفيان فضبطه ، ولم يضطرب في إسناده ولا في متنه . وقال الدارقطني : يقال : وهم فيه شعبة ، وقد تابع سفيان ، محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه ، وقال ابن القطان : اختلف شعبة ، وسفيان فيه ، فقال شعبة : خفض ، وقال الثوري : رفع ، وقال شعبة : حجر أبو العنبس .

وقال الثوري : حجر بن عنبس ، وصوب البخاري ، وأبو زرعة ، قول الثوري ، وما أدري لم لم يصوبا القولين حتى يكون حجر بن عنبس هو أبو العنبس ؟ قلت : وبهذا جزم ابن حبان في الثقات أن كنيته كاسم أبيه ، ولكن قال البخاري : إن كنيته أبو السكن ، ولا مانع أن يكون له كنيتان ، قال : واختلفا أيضا في شيء آخر ، فالثوري يقول : حجر ، عن وائل ، وشعبة يقول : حجر عن علقمة بن وائل عن أبيه ، قلت : لم يقف ابن القطان على ما رواه أبو مسلم الكجي في سننه : حدثنا عمرو بن مرزوق ، ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن حجر عن علقمة بن وائل عن وائل ، قال : وقد سمعه حجر من وائل قال : { صلى النبي صلى الله عليه وسلم }فذكر الحديث ، وهكذا رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن سلمة ، سمعت حجرا أبا العنبس ، سمعت [ ص: 429 ] علقمة بن وائل عن وائل ، قال : وسمعته من وائل ، فبهذا تنتفي وجوه الاضطراب عن هذا الحديث ، وما بقي إلا التعارض الواقع بين شعبة ، وسفيان فيه في الرفع والخفض ، وقد رجحت رواية سفيان بمتابعة اثنين له بخلاف شعبة ، فلذلك جزم النقاد بأن روايته أصح ، والله أعلم .

( تنبيه ) احتج الرافعي بحديث وائل على استحباب الجهر بآمين .

وقال في أماليه : يجوز حمله على أنه تكلم بها على لغة المد ، دون القصر من جهة اللفظ ، ولكن رواية من قال : رفع صوته ، تبعد هذا الاحتمال ، ولهذا قال الترمذي عقبه : وبه يقول غير واحد ، يرون أنه يرفع صوته .

( فائدة ) قال ابن أبي حاتم في العلل : سألت أبي عن حديث حدثناه أحمد بن عثمان بن حكيم ، ثنا بكر بن عبد الرحمن عن عيسى بن المختار عن ابن أبي ليلى عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي عن علي : { أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : آمين حين يفرغ من قراءة فاتحة الكتاب } ، فقال : هذا عندي خطأ ، إنما هو حجر بن عنبس عن وائل ، وهذا من ابن أبي ليلى فإنه كان سيئ الحفظ ، قلت : وروى المطلب بن زياد عن ابن أبي ليلى أيضا عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش ، عن علي نحوه ، فقال : هذا خطأ .

355 - ( 26 ) - حديث أبي هريرة : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمن ، أمن من خلفه ، حتى إن للمسجد ضجة }. لم أره بهذا اللفظ ، لكن روى معناه ابن ماجه من حديث بشر بن رافع عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة قال : { ترك الناس التأمين ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال : غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، قال : آمين حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد }. ورواه أبو داود من هذا الوجه بلفظ : حتى يسمع من يليه من الصف الأول . ولم يذكر قول أبي هريرة ، وبشر بن رافع ضعيف ، وابن عم أبي هريرة قيل : لا يعرف ، وقد وثقه ابن حبان .

( تنبيه ) قال ابن الصلاح في الكلام على الوسيط : هذا الحديث أورده الغزالي [ ص: 430 ] هكذا تبعا لإمام الحرمين فإنه أورده في نهايته كذلك ، وهو غير صحيح مرفوعا ، وإنما رواه الشافعي من حديث عطاء ، قال : كنت أسمع الأئمة ، ابن الزبير فمن بعده يقولون : آمين حتى إن للمسجد للجة ، وقال النووي مثل ذلك وزاد : هذا غلط منهما ، وكأنه وابن الصلاح أرادا لفظ الحديث ، والحق معهما ، لكن سياق ابن ماجه يعطي بعض معناه كما أسلفناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية