الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1764 الأصل

[ 1481 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا حاتم -يعني- ابن إسماعيل، عن جعفر -يعني - ابن محمد، عن أبيه، عن يزيد بن هرمز؛ أن نجدة كتب إلى ابن عباس رضي الله عنه يسأله عن خلال، فقال ابن عباس : إن ناسا يقولون : إن ابن عباس يكاتب الحرورية ، ولولا أني أخاف أن أكتم علما لم أكتب إليه ، فكتب نجدة إليه : أما بعد ، فأخبرني ، [ ص: 108 ] هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء ؟

وهل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يضرب لهن بسهم ؟ وهل كان يقتل الصبيان ؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم ؟ وعن الخمس لمن هو ؟

فكتب إليه ابن عباس : إنك كتبت تسألني : هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء ؟

وقد كان يغزو بهن فيداوين المرضى ، ويحذين من الغنيمة ؛ وأما السهم فلم يضرب لهن بسهم ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقتل الولدان ، فلا تقتلهم إلا أن تكون تعلم منهم ما علم الخضر من الصبي الذي قتل ، فتميز بين المؤمن والكافر ، فتقتل الكافر وتدع المؤمن.

وكتبت : متى ينقضي يتم اليتيم ؟

ولعمري ، إن الرجل لتشيب لحيته وإنه لضعيف الأخذ ، ضعيف الإعطاء ، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم .

وكتبت تسألني عن الخمس ، وإنا كنا نقول : هو لنا ؛ فأبى علينا قومنا فصبرنا عليه.


التالي السابق


الشرح

قد سبق طرف من الحديث من قبل برواية الشافعي عن عبد العزيز بن محمد عن جعفر .

وقول ابن عباس: "إن ناسا يقولون: إن ابن عباس يكاتب الحرورية ... إلى آخره" الحرورية: جماعة من الخوارج [نسبوا] إلى [ ص: 109 ] حروراء قرية تعاقدوا بها على رأيهم.

وأراد إنما ذكر إبداء العذر في مكاتبتهم فقال: حق المبتدع أن يهجو وأن يحترز عن مجالسته ومكاتبته، إلا أن نجدة سأله عن مسائل علمية فكاتبه ليجيب عنها، وجملة ما سأله عنها مسائل خمس:

إحداها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هل كان يغزو بالنساء؟

والثانية: أنه هل كان يسهم لهن من الغنيمة؟

وقد سبق ما يتعلق بهما.

والثالثة: أنه هل كان يقتل صبيان الكفار؟

وأجاب [بأنه] كان لا يقتلهم، ثم إنه أوصاه ونهاه عن قتلهم، وأكد الأمر بقوله: "إلا أن تعلم المؤمن من الكافر في المستقبل كما علم الخضر -عليه السلام- فقتل ذلك الصبي" أي: أنك لا تعلم ذلك فلا تتعرض لهم.

والرابعة: أن يتم اليتيم متى ينقضي؟

وأجاب بأن الإنسان قد يكبر ويشيب وهو غير رشيد في التصرفات أخذا وإعطاء فإذا [استرشد] تصرفه فقد ذهب عنه اليتم، كأنه أراد أن حكم اليتم يبقى ما لم يوجد الرشد، وإن كان لا يتم بعد [الحلم] .

ويروى عن ابن عباس في جواب نجدة: "وكتبت إلي تسألني عن الصبي متى يخرج من اليتم؟ وإنه يخرج من اليتم إذا احتلم" .

والخامسة: البحث عن حال خمس خمس الغنيمة هل يصرف إلى [ ص: 110 ] ذوي القربى؟

وجواب ابن عباس يتضح من بعد في حديث عن علي رضي الله عنه مروي في الكتاب [.. ..] لتعريف مقصوده أن من الناس من ذهب إلى سقوط سهم ذوي القربى وفيهم أبو حنيفة، وقالوا: يقسم خمس الغنيمة اليوم على ثلاثة أسهم: لليتامى والمساكين وابن السبيل، وكأنه أنكر عليهم، وروى أبو داود في السنن عن عثمان بن أبي شيبة عن ابن نمير عن [هاشم] بن البريد عن حسين بن ميمون عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت عليا يقول: اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله أرأيت أن ( تولينا ) حقنا من هذا الخمس في كتاب الله فأقسمه في حياتك كيلا ينازعني أحد بعدك فافعل.

قال: ففعل ذلك، فقسمته حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم ولانيه أبو بكر رضي الله عنه حتى كان آخر سنة من سنة عمر رضي الله عنه فإنه أتاه مال كثير فعزل حقنا ثم أرسل إلي فقلت: بنا عنه العام غنى وبالمسلمين إليه حاجة فاردده عليهم، فرده عليهم ثم لم يدعني إليه أحد بعد عمر، فلقيت العباس بعدما خرجت من عند عمر، فقال: يا علي حرمت الغداة شيئا لا يرد علينا أبدا وكان رجلا داهيا.





الخدمات العلمية