الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الأصل

[ 1797 ] سمعت الربيع يقول: كتب إلي أبو يعقوب البويطي: أن أصبر نفسك للغرباء، وأحسن خلقك لأهل حلقتك، فإني لم أزل أسمع الشافعي يكثر أن يتمثل بهذا البيت:


أهين لكم نفسي لكي يكرمونها ... ولن تكرم النفس التي لا تهينها

[ ص: 301 ] .

قال أبو العباس: فرغنا من سماع كتاب الشافعي -رحمة الله عليه- يوم الأربعاء للنصف من شعبان سنة ست وستين ومائتين، سمعناه من أوله إلى آخره من الربيع بن سليمان قراءة عليه، وهذا مكتوب على ظهر كتاب الوصايا عن الشافعي بخط أبي يعقوب بن يوسف رحمه الله وكتب فيه: سمعناه ومحمد معنا ولا أعلم فاتنا من كتاب الشافعي شيء والحمد لله رب العالمين، نفعنا الله وإياه به.

التالي السابق


الشرح

أبو يعقوب البويطي: هو يوسف بن يحيى، من كبار أصحاب الشافعي -رضي الله عنه-، يروى عنه أنه قال: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى، وليس أحد من أصحابي أعلم منه.

وعن الربيع بن سليمان أنه قال: كان البويطي يحرك شفتيه بذكر الله تعالى أبدا، وما رأيت أحدا أنزع للحجة من كتاب الله تعالى منه.

مات ببغداد سنة إحدى وثلاثين ومائتين في السجن والقيد في رجله وكان قد حمل من مصر في فتنة القرآن فأبى أن يقول بخلقه .

ويعقوب بن يوسف: هو والد أبي العباس الأصم، وهو أبو الفضل يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأموي النيسابوري.

سمع بالحجاز ومصر والشام والعراق والري وخراسان، وكان من أحسن الناس، توفي سنة سبع وسبعين ومائتين.

والحكاية والشعر المذكوران لا أعرف لذكرهما سببا في هذا الموضع إلا أن يكون ذهب مذهب أهل الحديث في ختم المجلس الذي [ ص: 302 ] يملونه بحكاية وشعر، وربما لم يراعوا المناسبة بينهما وبين ما تقدمهما.

وفي الحكاية الوصية برعاية الغرباء، وحسن الخلق معهم والصبر على مجالستهم وإفادتهم ليقضوا أوطارهم، ولم يزل أهل العلم والحديث يسعون في إكرام الغرباء المحصلين ويتحملون منهم، وورد في ذلك أخبار وآثار كثيرة ليس هذا موضع ذكرها.

وقوله: "أهين لكم نفسي" أي: بحمل المشاق وأصبر معهم ليكرموني بالاحترام والدعاء، والنفس التي لا تحمل المتاعب ولا تراض بالمشاق لا تكاد تكرم، قيل لبعضهم وقد رؤي مرارا على بعض الأبواب واقفا في الشمس: لقد طال قيامك في الشمس!

فقال: ليطول قعودي في الظل.

وأما ذكر سماعه من الربيع بن سليمان فكأنه وحد طبقة السماع قريبا من موضع المنقول منه الحكاية فأثبته، ويشبه أن يكون المراد من كتاب الشافعي "الأم" سمعه أبو العباس مع أبيه في التاريخ المذكور وقد استجاب الله تعالى دعاء أبيه ونفعه في سماعه وتحصيله ونفع به الناس، قال الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور: حدث أبو العباس في الإسلام ستا وسبعين سنة على الصحة والإتقان، وما رأينا الرحالة في طلب الحديث في بلد من بلاد الإسلام أكثر من المجتمعين عليه، فقد رأيت جماعة من أهل الأندلس والقيروان وبلاد المغرب على بابه، وجماعة من أهل طراز وأسفيحان وأهل المشرق على بابه، وجماعة من أهل المنصورة ومولتان وبست وسجستان، وجماعة من أهل فارس وخوزستان، فناهيك شرفا وقبولا في بلاد المسلمين. والله أعلم [ ص: 303 ] .




الخدمات العلمية