الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
111 الأصل

[ 1461 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع مولى ابن عمر، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتت لها أم سلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا ( خلف ) ذلك فلتغتسل ولتستثفر بثوب ثم . لتصل" .

التالي السابق


الشرح

الحديث مودع في "الموطأ" ، وأخرجه أبو داود في "السنن" عن القعنبي عن مالك، وذكر أن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة وإنما هو عن رجل عن أم سلمة ، هكذا رواه الليث بن سعد وعبيد الله بن عمر وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وصخر بن جويرية وجويرية بن أسماء عن نافع، ورواه موسى بن عقبة عن نافع عن سليمان بن يسار عن مرجانة عن أم سلمة، لكن في "تاريخ البخاري" وغيره عند ذكر [ ص: 78 ] سليمان بن يسار: أنه سمع أم سلمة، فيجوز أن يكون قد سمعه منها وسمعه من رجل عنها.

وقوله: "كانت تهراق الدم"، ويروى: الدماء وذكر أن النصب على التشبيه بالمفعول به أو على التمييز، وأنه يجوز أن يقال أنه مفعول بـ "تهراق"؛ لأن معناه تهريق الدماء، لكنهم عدلوا بالكلمة إلى وزن ما هي في معناها وهو: تستحاض.

وقوله: "ولتستثفر" أي: لتشد خرقة على فرجها، واللفظة مأخوذة من ثفر الدابة: وهو الذي يكون تحت ذنبها، وقيل: من الثفر وهو الفرج، وأصله في السباع ثم استعير لغيرها، وهو في المعنى كقوله في الحديث السابق: "فتلجمي".

والحديث يدل على أن المعتادة إذا استحيضت ترد إلى عادتها في الحيض ويحكم لها بالطهر بعد ذلك خلافا لمالك حيث قال: لا اعتبار بالعادة، وإطلاق اللفظ يقتضي أن ترد إلى العادة وإن كانت مميزة وهو وجه للأصحاب، لكن أحاديث التمييز أيضا مطلقة، كما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "دم الحيض أسود يعرف ".

وهذا يقتضي الرد إلى التمييز وإن كانت معتادة، ورجح الأصحاب الرد إلى التمييز بأنه صفة حاضرة والعادة دلالة قد مضت.

وقوله: "التي كانت تحيض من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها".

يجوز أن يحمل الشهر على الحبس أي: الذي كانت تحيضهن في كل شهر، ويكون الكلام جاريا على الغالب في أن الشهر الواحد دور [ ص: 79 ] يجمع حيضا وطهرا، ويجوز أن يقدر قوله: أن يصيبها الذي أصابها متعلقا بالشهر: أي الشهر الذي [تلته] الاستحاضة، وعلى هذا حملوه حيث احتجوا به على أن العادة تثبت بمرة واحدة، وقالوا: أنه اعتبر الشهر المتقدم على الاستحاضة.

وفيه دليل على أن المستحاضة تعالج نفسها بما يسد المسلك ويرد الدم بحسب الإمكان، فإذا أتت به وقطر مع ذلك الدم أو سال صحت صلاتها ولا إعادة عليها.




الخدمات العلمية