ذكر الدزبري بالشام وما صار الأمر إليه بالبلاد فساد حال
في هذه السنة فسد أمر أنوشتكين الدزبري نائب المستنصر بالله صاحب مصر بالشام ، وقد كان كبيرا على مخدومه بما يراه من تعظيم الملوك له ، وهيبة الروم منه .
وكان الوزير أبو القاسم الجرجرائي يقصده ويحسده ، إلا أنه لا يجد طريقا إلى الوقيعة فيه ، ثم اتفق أنه سعي بكاتب للدزبري اسمه أبو سعد ، وقيل عنه : إنه يستميل صاحبه إلى غير جهة المصريين ، فكوتب بإبعاده فلم يفعل ، واستوحشوا منه ، ووضع الدزبري الجرجرائي حاجب وغيره على مخالفته . الدزبري
ثم إن جماعة من الأجناد قصدوا مصر ، وشكوا إلى الجرجرائي منه ، فعرفهم سوء رأيه فيه ، وأعادهم إلى دمشق ، وأمرهم بإفساد الجند عليه ، ففعلوا ذلك .
[ ص: 29 ] وأحس بما يجري ، فأظهر ما في نفسه ، وأحضر نائب الدزبري الجرجرائي عنده ، وأمر بإهانته وضربه ، ثم إنه أطلق لطائفة من العسكر يلزمون خدمته أرزاقهم ، ومنع الباقين ، فحرك ما في نفوسهم ، وقوى طمعهم فيه بما كوتبوا به من مصر ، فأظهروا الشغب عليه وقصدوا قصره ، وهو بظاهر البلد ، وتبعهم من العامة من يريد النهب ، فاقتتلوا ، فعلم ضعفه وعجزه عنهم ، ففارق مكانه ، واستصحب أربعين غلاما له وما أمكنه من الدواب والأثاث والأموال ، ونهب الباقي ، وسار إلى الدزبري بعلبك فمنعه مستحفظها ، وأخذ ما أمكنه أخذه من مال ، وتبعه طائفة من الجند يقفون أثره ، وينهبون ما يقدرون عليه . الدزبري
وسار إلى مدينة حماة فمنع عنها وقوتل ، وكاتب المقلد بن منقذ الكناني الكفرطابي واستدعاه ، فأجابه وحضر عنده في نحو ألفي رجل من كفرطاب وغيرها ، فاحتمى به ، وسار إلى حلب ودخلها ، وأقام بها مدة ، وتوفي في منتصف جمادى الأولى من هذه السنة .
فلما توفي فسد أمر بلاد الشام ، وانتشرت الأمور بها ، وزال النظام ، وطمعت العرب ، وخرجوا في نواحيه ، فخرج حسان بن المفرج الطائي بفلسطين ، وخرج معز الدولة بن صالح الكلابي بحلب ، وقصدها وحصرها ، وملك المدينة ، وامتنع أصحاب بالقلعة ، وكتبوا إلى الدزبري مصر يطلبون النجدة ، فلم يفعلوا ، واشتغل عساكر دمشق ومقدمهم الحسين بن أحمد الذي ولي أمر دمشق بعد بحرب الدزبري حسان ، ووقع الموت في الذين في القلعة ، فسلموها إلى معز الدولة بالأمان .