الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : [ الشرط الثالث وهو الحرية ]

                                                                                                                                            وأما الشرط الثالث : وهو الحرية فلقوله تعالى : ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون [ النحل : 75 ] . فمنع من المساواة بين الحر والعبد ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم يعني عبيدهم ، فجعل العبيد أدنى من الأحرار ، ولأن الرق يمنع من الملك وكمال التصرف ويرفع الحجر للسيد ، فكان النقص به أعظم من نقص النسب ، وإذا كان كذلك لم يكن العبد كفء الحرة ولا الأمة كفء الحر ، وكذلك لا يكون المدبر ، ولا المكاتب ، ولا المعتق نصفه ، ولا من جزء من الرق ، وإن قل كفء الحرة ولا تكون المدبرة والمكاتبة ولا أم الولد ولا المعتقة نصفها ، ولا من فيها جزء من الرق ، وإن قل كفء الحر ، واختلف أصحابنا هل يكون العبد كفؤا لمن عتق نصفها ورق بعضها ، أو تكون الأمة كفؤا لمن عتق بعضه ورق بعضه أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا تكون كفؤا : لأن لبعض الحرية فضلا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : تكون كفؤا : لأن من لم تكمل حريته فأحكام الرق عليه أغلب ، ولأنه لما لم يكن من عتق بعضه كفؤا للحر تغليبا للرق صار كفء العبد ، فعلى الوجه الأول لا يكون من ثلثه حر لمن نصفه حر حتى تساوا ما فيهما من حرية ورق ، وعلى الوجه الثاني يكونان كفؤا ، وإن تفاضل باقيهما من حرية ورق ، فأما المولى فإن كان قد جرى عليه رق قبل العتق لم يكن كفء الحرة الأصل . وإن لم يكن يجري عليه رق لكونه ابن عتق من رق ، فهل يكون كفء الحرة الأصل ؟ على وجهين ، بناء على اختلاف الوجهين في موالي كل قبيلة هل يكونون أكفاءها في النكاح ، فإن قيل يكونون أكفاءها ، صار المولى كفؤا للحرة الأصل ، وإن قيل لا يكونون أكفاء لم [ ص: 105 ] يصر المولى كفؤا للحرة الأصل ، وعلى هذين الوجهين إذا كان أحدهما مولى لعربي والآخر مولى لنبطي ، فإن قيل مولى القبيلة كفء لها في النكاح لم يكن مولى النبطي كفؤا لمولى العربي ، وإن قيل لا يكون كفؤا لها كان مولى النبطي كفؤا لمولى العربي .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية