الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : [ الشرط الرابع وهو الكسب ]

                                                                                                                                            فأما الشرط الرابع - وهو الكسب - : فإن الناس يتفاضلون به ، قال الله تعالى : والله فضل بعضكم على بعض في الرزق [ النحل : 71 ] . فيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه فضل بعضهم على بعض في قدر الرزق فبعضهم موسع عليه ، وبعضهم مضيق عليه .

                                                                                                                                            والثاني : أنه فضل بعضهم على بعض في أسباب الرزق فبعضهم يصل إليه لعز ودعة ، وبعضهم يصل إليه بذل ومشقة ، وفي قوله تعالى : فإن له معيشة ضنكا [ طه : 124 ] ثلاثة تأويلات :

                                                                                                                                            أحدها : أنه الرزق الضيق .

                                                                                                                                            والثاني : أنه الكسب الحرام .

                                                                                                                                            والثالث : أنه إنفاق من لا يوقن بالخلف ، والمكاسب تكون في العرف المألوف من أربع جهات : بالزراعات والتجارات ، والصناعات ، والحمايات ، ولكل واحد منها رتب متفاضلة وكل واحد منها يفضل بعضها على غيره بحسب اختلاف البلدان والأزمان ، وإن في بعض البلدان التجارات ، وفي بعضها الزراعات أفضل ، وفي بعض الأزمان حماة الأجناد أفضل ، وفي بعضها أقل فلأجل ذلك لم يمكن أن يفضل بعضها في عموم البلدان والأزمان ، وإنما يراعى فيها العرف والعادة ، والأفضل منها في الجملة ما انحفظت به أربعة شروط ، أن لا تكون مترذل الصناعة كالحائك ، ولا مستخبث الكسب كالحجام ، ولا ساقط المروءة كالحمال ، ولا مبتذلا كالأجير ، فمن انحفظت عليه في مكاسبه هذه الشروط الأربعة لم يكافئه في النكاح من أخل بها من حجام وكناس قيم وحائك ، فالعرف في اعتبار هذه الشروط الأربعة هو المحكم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية