الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

الفكر المنهجي عند المحدثين

الدكتور / همام عبد الرحيم سعيد

نماذج من الصحابة المكثرين والمقلين

[1] المكثرون

يعتبر أبو هـريرة وعائشة رضي الله عنهما من الصحابة المكثرين ويرجع إكثارهما لتوافر أمور فيهما:

1- عرف أبو هـريرة، كما عرفت عائشة رضي الله عنهما ، بالحافظة القوية [ ص: 36 ] والذاكرة الممتازة، ومما زاد في ذاكرة أبي هـريرة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له، أما عائشة فقد تناقل الرواة أنها كانت راوية للشعر والأدب، حتى كانت تحفظ للبيد بن ربيعة نحوا من ألف بيت، وقد حفظت القرآن الكريم، والحلال والحرام، والنسب والشعر والطب، فلا عجب أن تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألفي حديث ومائتي حديث وعشر.

2- كلاهما كان متفرغا للرواية، أما عائشة فقد كانت في بيت النبوة، وكانت أحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وأما أبو هـريرة فقد فرغ نفسه لمصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم من شهر صفر سنة سبع للهجرة، حتى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم " يقول عنه نفسه: وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق [1] بالأسواق، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرءا مسكينا ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون " [2] . " ويقول أيضا: وكنت أكثر مجالسة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحضر إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا " [3]

3- كلاهما عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم فعائشة - رضي الله عنهما - توفيت سنة 57هـ وكذلك أبو هـريرة، وكان كل منهما مصدر رواية مباشرا، -إلى جانب ما أخذه كل منهما عن الصحابة ثم قام بروايته- وقد احتاج التابعون لرواياتهما فأكثروا عنهما. [ ص: 37 ]



[2] المقلون

ومن الصحابة المقلين في الرواية رغم تقدم إسلامهم ومكانتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما - وقد بلغت روايات أبي بكر -كما يقول ابن الجوزي - مائة واثنين وأربعين حديثا، وقال أبو بكر البرقي : الذي حفظ له نحو من خمسين حديثا في إسناد بعضها ضعف [4] . وأما عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فقد روى مائة وستة وأربعين حديثا -كما يقول ابن الجوزي- وقال البرقي: الذي حفظ عنه نحو من أربعين حديثا [5]

ولعل مرجع إقلالهما في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

1- اشتغالهم بالتجارة، فلم يتمكنا من طول الملازمة.

2- تقدم موتهما قبل أن يبرز دور التابعين، إذ كانت وفاتهما والصحابة متوافرون كثيرون.

ونخلص من هـذا إلى أن الصحابة رضي الله عنهم تفاوتوا في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقليل منهم من كانت رواياته بالألوف وهو: أبو هـريرة ، وعبد الله بن عمر ، وأنس بن مالك ، وعائشة رضي الله عنهم . ومنهم أصحاب الألف، وهم: عبد الله بن عباس ، وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم . وسائرهم بين أصحاب المئات وأصحاب الآحاد [6] . وإلى جانب هـذا فإن عدد الروايات يقل إذا عرفنا أن الطرق تتشعب، وقد يروى الحديث الواحد من عدة طرق، فترجع الألوف إلى الألف، والمئات إلى العشرات. [ ص: 38 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية