الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
كيف تعرف العدالة؟

تعرف عدالة الرواة بأحد أمرين:

أولا: أن يشتهر حال الراوي بالعدالة والتقوى بين الناس

حتى لا يغيب ذلك عن جمهور الأمة. فإذا ذكر سعيد بن المسيب ومالك بن أنس والحسن البصري ، فإن أسماءهم مقترنة بالعدالة والورع. ولا يعني هـذا أن يكون القول بعدالة هـؤلاء إجماعا، فقد يشذ من يطعن فيهم من الأقران، ولكن من غير دليل ولا حجة. ولذلك فقد رد العلماء قول الأقران في بعضهم؛ لما بينهم من تنافس ونزاع، كما حدث بين الإمام مالك بن أنس ومحمد بن إسحاق صاحب السيرة. فقد طعن كل منهما في صاحبه، ولكن العلماء لم يقبلوا هـذا الطعن.

ولعلمائنا في هـذا الصدد قواعد تضبط النقد المقبول من غير المقبول. يقول تاج الدين السبكي : (من ثبتت إمامته وعدالته، وكثر مادحوه ومزكوه، وندر جارحوه، وكانت هـنالك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره، فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه، ونعمل فيه بالعدالة) [1]

ثانيا: وتعرف العدالة أيضا بتزكية النقاد العارفين

، فإذا شهد للراوي عدد من العلماء أو واحد على الأقل بأنه عدل فإنه ينتقل من دائرة الجهالة إلى دائرة العدالة أو من دائرة الجرح إلى التعديل، شريطة ألا يكون قد جرحه آخرون جرحا مبين السبب؛ لأن الجرح قد يكون مجملا من غير بيان، [ ص: 92 ] كأن يقال: ضعيف، وهذا الجرح لا يقوى على معارضه التعديل. وأما إذا كشف الجارح عن السبب، وكان السبب مؤثرا كالكذب أو الغفلة، فإن الجرح يقدم حينئذ على التعديل.

ولا يتحقق التعديل إلا ببيان اسم المعدل، كي يكون تعديله معروفا عند العلماء، وهذا الإشهار والإعلان يفتح الباب لمن كان عنده غير ذلك أن يقول. ولهذا فإن العلماء لم يقبلوا من الراوي أن يقول: حدثني الثقة (دون أن يسميه) ، حتى ولو كان هـذا الراوي من مشاهير العلماء كمالك والشافعي . وطالبوا من قال ذلك بأن يسمي الثقة لينظر فيه: هـل هـو ثقة عند سائر العلماء أو عند الراوي عنه فقط.

ولا تثبت العدالة بحكم البراءة الأصلية؛ فلا يقال: الأصل أن الراوي مسلم، والأصل في المسلم العدالة؛ لأن الرواية تثبت حكما شرعيا، وتنشئ حقوقا وواجبات، وتحلل وتحرم، وتعطي وتمنع، وإثبات هـذه الأحكام لا يترك لحكم البراءة الأصلية، تماما كالشهادة؛ فالشاهد لا يقبل قوله إلا بعد تزكيته وإثبات عدالته؛ لأنه قد يثبت بشهادته حقا أو يدفعه. [ ص: 93 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية