الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
(ب) الرواية من الصدر أو من الكتاب:

وقد يحدث الراوي من صدره دونما كتاب يسجل فيه مروياته، وهذا أسلوب متميز من أساليب الرواية، كان موضع اعتبار عند كثير من العلماء، لما في الحفظ المباشر من سرعة الاستحضار والاستغناء عن الوسائل الكتابية، وإلى جانب ذلك فإن الحافظ يأمن التصحيف والتحريف. والتصحيف تغيير في نقط الكلمة، أو شكلها، [ ص: 63 ] والتحريف : إبدال حروف الكلمة بحروف أخرى. وقد كان النساخ وغير الحافظ يقعون في التصحيف والتحريف فيغيرون المعاني، ويصرفون الكلام عن مراده. ولقد ألفت كتب جمعت من تصحيفات المحدثين الشيء الكثير ككتاب "تصحيفات المحدثين" للإمام أبي الحسن العسكري (ت:382هـ) [1] . وبالرغم من قيمة الحفظ وأهميته إلا أن الحافظ قد يتعرض للنسيان فيقع في الوهم والخطأ، بينما يبقى الكتاب مؤديا لمادته كما هـي.

وقد يحدث الراوي من كتابه الذي سجل فيه مروياته عن شيوخه، وكتابة الحديث في عهود الصحابة والتابعين وأتباع التابعين كانت أمرا مرغوبا فيه. وقد كتب بعض الصحابة رضي الله عنهم ومنهم أنس بن مالك ، فقد روى حديثا عن محمود بن الربيع ، " وقال في آخره: فأعجبني هـذا الحديث، فقلت لابني: اكتبه، فكتبه " [2] . وكتب جابر بن عبد الله المناسك في كتاب [3] كان يقرأ على الحاج. وكتب سمرة بن جندب رسالة [4] إلى بنيه ضمنها طائفة من الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم . وروى الإمام أحمد أن أبا أيوب الأنصاري كتب صحيفة فيها مائة واثنا عشر حديثا [5] . وكتب عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الصحيفة الصادقة، وقد روي عنه " قوله: ما يرغبني في " [ ص: 64 ] " الحياة إلا خصلتان: الصادقة والوهط، فأما الصادقة فصحيفة كتبتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما الوهط فأرض تصدق بها عمرو بن العاص ، كان يقوم عليها " [6] .

وكتب بعض التابعين عن الصحابة، فوصلت إلينا روايات الصحابة من خلال كتابة التابعين عنهم، فقد كتب هـمام بن منبه الصنعاني (ت132هـ) صحيفة عن أبي هـريرة ، وقد ذكرها أحمد في مسنده [7] ، وقد رواها معمر بن راشد عن هـمام، ثم رواها عبد الرزاق بن هـمام عن معمر، وقد أخرج البخاري ومسلم أحاديث من هـذه الصحيفة.

وكتب كريب بن أبي مسلم الهاشمي مولى ابن عباس رضي الله عنهما (ت98هـ) عن ابن عباس ، حتى قال موسى بن عقبة : وضع عندنا كريب حمل بعير من كتب ابن عباس [8] .

وكتب أبو الزبير المكي (ت126هـ) عن جابر بن عبد الله ، وكتب خالد بن معدان عن جبير بن نفير ، وقال عنه بكير بن سعيد : ما رأيت أحدا ألزم للعلم منه، كان علمه في مصحف له أزرار وعرى. وكتب الأعرج عبد الرحمن بن هـرمز (ت 117هـ) عن أبي هـريرة وأبي سعيد الخدري وغيرهما.

وهذا أبو قلابة عبد الله بن زيد البصري (ت104هـ) وهو تابعي، روى علم عدد من الصحابة وأحاديثهم وكتب كتبا كثيرة، ثم أوصى بها [ ص: 65 ] لأيوب بن أبي تميمة السختياني ، وكان أبو قلابة في الشام وأيوب في البصرة وقال في وصيته: (ادفعوا كتبي إلى أيوب إن كان حيا وإلا فاحرقوها) [9] .

ولو تتبعنا ما كتبه التابعون عن الصحابة ثم انتقلنا إلى أتباع التابعين لتبين لنا أن هـذه النسخ بلغت المئات [10] . وهي نسخ يطمأن إلى سلامتها لعدالة رواتها. ولكن هـذه النسخ كانت تحتوي على حديث صحابي أو تابعي واحد، ولم تكن شاملة لأحاديث عدد من الصحابة أو التابعين ولم تكن مخصصة لصنف معين من أصناف الحديث ولا مرتبة على منهج معين.

التالي السابق


الخدمات العلمية