الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
(هـ) الرواية باللفظ والرواية بالمعنى:

تباينت وجهات العلماء حول رواية الحديث باللفظ أو بالمعنى، فمنهم من ذهب إلى اشتراط تحري لفظ المحدث ، وأن يؤدي الحديث كما سمعه بالمحافظة على حروفه وكلماته دون تغيير، ولا إبدال كلمة في موضع كلمة. وكان على هـذا المنهج ( عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقد سمع عبيد بن عمير وهو يحدث ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل المنافق كمثل الشاة الرابضة بين الغنمين. ) ( فقال ابن عمر: ويلكم، لا تكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل المنافق كمثل الشاة العائرة [1] بين الغنمين ) [2] وعندما حدث سعد بن عبيدة عن [ ص: 70 ] ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بني الإسلام على خمس: على أن تعبد الله وتكفر بما دونه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان قال ابن عمر: اجعل صيام رمضان آخرهن، كما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) [3]

وكان محمد بن شهاب الزهري والقاسم بن محمد ومحمد بن سيرين ورجاء بن حيوة والأعمش يتحرون الألفاظ حتى في الحروف. قال الأعمش: (كان هـذا العلم عند أقوام كان أحدهم لأن يخر من السماء أحب إليه من أن يزيد فيه واوا أو ألفا أودالا) [4] . وكان أنس بن مالك رضي الله عنه يتقي في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين التي والذي ونحوهما، وكان مالك يتحفظ من الباء والثاء [5] وروى سفيان عن الأعمش حديث: (لا تزجي صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود) . قال سفيان: هـكذا قال الأعمش: لا تزجي، يريد. لا تجزي [6] . [ ص: 71 ]

وأما الرواية بالمعنى -بأن يأتي المحدث بالحديث دون التقيد بالكلمات التي سمعها، بل يبدل كلمة بكلمة في معناها، ويأتي بما في الحديث من حكم وأمر ونهي - فقد ذهب إلى جواز هـذا طائفة من الصحابة والتابعين وعلماء الحديث، فقد روى " عن مكحول أنه قال: دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة بن الأسقع فقلنا له: يا أبا الأسقع حدثنا بحديث سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه وهم ولا تزيد ولا نسيان، فقال: حسبكم إذا حدثناكم على المعنى " [7] . " وقال الحسن : (لا بأس إذا أصبت المعنى " [8] . وقال عبد الرحمن بن مهدي : (ولو رأى إنسان سفيان-الثوري- يحدث لقال: ليس هـذا من أهل العلم، يقدم ويؤخر ويثبج -أي يتفنن في صياغة الكلام وأدائه- ولكن لو جهدت جهدك أن تزيله عن المعنى لم يفعل) [9] .

قال الخطيب البغدادي : (ورواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث غيره على المعنى جائزة عندنا، إذا كان الراوي عالما بمعنى الكلام وموضوعه، بصيرا بلغات العرب ووجوه خطابها، عارفا بالفقه واختلاف الأحكام، مميزا لما يحيل المعنى وما لا يحيله، وكان المعنى أيضا ظاهرا معلوما، وأما إذا كان غامضا محتملا فإنه لا يجوز رواية الحديث على المعنى، ويلزم إيراد اللفظ بعينه، وسياقه على وجهه، وقد كان في الصحابة رضوان الله عليهم من يتبع روايته الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن [ ص: 72 ] يقول: (أو نحوه) (أو شكله) ، (أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) والصحابة أرباب اللسان، وأعلم الخلق بمعاني الكلام، ولم يكونوا يقولون ذلك إلا تخوفا من الزلل، لمعرفتهم بما في الرواية على المعنى من الخطر) [10]

التالي السابق


الخدمات العلمية