الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
(ج) التدوين:

ما إن أطل طالع القرن الثاني حتى كان التابعون وأتباع التابعين يباشرون مهمة تدوين الأحاديث المروية في دواوين كبيرة، وقد كان أمير مصر عبد العزيز بن مروان هـم بتدوين السنة إلا أن ابنه الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز هـو الذي حاز فضل التدوين. والتدوين كتابة الحديث المبثوث في صدور العلماء وكتبهم، وجمعه في سجل واحد وكان الدافع له أمرين:

1- صيانة الحديث -بعد أن اتسعت روايته- من أن يختلط صحيحه بالموضوع. ويروى عن ابن شهاب الزهري أنه قال: لولا [ ص: 66 ] أحاديث تأتينا من قبل المشرق ننكرها لا نعرفها، ما كتبت حديثا ولا أذنت في كتابته [1]

2- الخوف على الحديث من الضياع بموت علمائه ورواته. وعندما أمر عمر بن عبد العزيز بالتدوين كتب إلى أهل المدينة يقول:

(انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه، فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله) .

وكان على رأس المحدثين الذين ندبهم عمر بن عبد العزيز لهذه المهمة أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري . وكان في كتاب عمر إلى أبي بكر بن محمد بن حزم:

(انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا) [2] . وقد أمر عمر أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن يكتب له العلم من عند عمرة بنت عبد الرحمن والقاسم بن محمد فكتب له. وعمرة نشأت في حجر عائشة رضي الله عنها وكانت من أثبت الناس في حديث عائشة. والقاسم بن محمد بن أبي بكر هـو ابن أخي عائشة رضي الله عنها ، وكان عالم زمانه ومن فقهاء المدينة السبعة (ت103هـ) . [ ص: 67 ]

ونخلص من هـذا إلى أن رواية الحديث دخلت مرحلة التدوين الرسمي الذي تشرف عليه الدولة.

ثم ظهرت الرواية في صورة جديدة مع منتصف القرن الثاني من الهجرة وهي صورة الأصناف فكان أول من صنف وبوب الربيع بن صبيح السعدي مولاهم [3] ، (ت160هـ) وسعيد بن أبي عروبة (ت156هـ) بالبصرة ، وخالد بن جميل الذي يقال له العبد، ومعمر بن راشد الأزدي (ت153هـ) باليمن ، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (ت150هـ) بمكة ، ثم سفيان بن سعيد الثوري (ت161هـ) بالكوفة ، وحماد بن سلمة (ت167هـ) بالبصرة. وصنف سفيان بن عيينة (ت197هـ) بمكة، والوليد بن مسلم (ت194هـ) بالشام ، وجرير بن عبد الحميد (ت188هـ) بالري ، وعبد الله بن المبارك (ت181هـ) بمرو وخراسان ، وهشيم بن بشير (ت 183هـ) بواسط ، وصنف أيضا بالكوفة زكريا بن أبي زائدة (ت149هـ) ، ومحمد بن فضيل بن غزوان ، ووكيع بن الجراح (ت197هـ) ، وصنف عبد الرزاق بن هـمام (ت211هـ) باليمن. وكان يغلب على كتب الرواية أنها:

1- كان معظمها متخصصا في موضوع واحد كالتفسير أو الأدب أو الفتن أو المغازي أو الأحكام.

2- كانت كتب آثار؛ أي تجمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين. [ ص: 68 ]

3- كان يغلب عليها طابع الجمع دون العناية بتمييز الصحيح من غيره، وبعبارة أخرى، لم تكن هـذه الكتب ذات مناهج في الاختيار والبحث.

التالي السابق


الخدمات العلمية