الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
التدرج في تحريم المحرمات

وكما سلك الشارع في فرض العبادات سنة التدرج، فإنه أيضا اتخذه مسلكا في تحريم العادات الفاسدة الضارة، مما ترسخ في المجتمع واستحكم في الناس، واستوطن القلوب والنفوس، فمثل هـذه العادات يصعب خلع الناس عنها، إلا بترويض متدرج، ومداواة متأنية، ونهي متجزئ. [ ص: 128 ] وهذا ما فعله الشارع الحكيم في تحريم الخمر، الذي مر بأربع مراحل:

1- مرحلة الذم ( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ) (النحل: 67) .

2- مرحلة التنفير ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) (البقرة: 219) .

3- مرحلة التحريم الجزئي ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) (النساء: 43) .

4- مرحلة التحريم الكلي ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) (المائدة: 90 -91) .

ولو كان أول ما نزل: لا تشربوا الخمر، لقالوا " والله لا ندعها " ، ولكن الله تدرج في تحريمها حتى استجابوا طائعين، " قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : " إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر، لقالوا لا ندع الخمر أبدا.. ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا " [1] . [ ص: 129 ]

هذا التدرج هـو الذي نهجه الشارع أيضا في تحريم الربا، وعقوبة الزنا، وفي فرض الجهاد، وكلها -كما ترى- من عظائم الأمور وكبرياتها التي لا تمام للدين إلا بتشريعها، إيجابا وتحريما، ولا اتباع للشريعة إلا باكتمالها، حتى ينتبه الدعاة إلى مقام التدرج كمرتكز دعوي.

التالي السابق


الخدمات العلمية