الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مرحلة الصفوية

انفتاح الخطاب الدعوي على جماهير الناس، ليس على إطلاقه، ولا يقتضي بحال أن تكون الانفتاحية في كل حين وحال، بل لا بد من الصفوية في مرحلة من مراحل الدعوة، وذلك أن الدعوة لا تنطلق بذاتها، وإنما يحمل خطابها مؤمنون بها.

وهؤلاء المؤمنون الأوائل، هـم الصفوة المقصودة، إذ المصلح أو الداعي يبدأ بفئة أو طائفة أو جماعة متقاربة في الالتزام والطاعة، متقاربة في الفكر والاعتقاد والمبادئ والأهداف، متقاربة في الاجتهاد والتبليغ والدعوة، وهؤلاء هـم الصفوة. [ ص: 80 ]

وهكذا كان الله سبحانه وتعالى مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، والرسول مع السابقين الأولين من صحابته رضوان الله عليهم.

فالقرآن بدأ بتنشئة صاحب الدعوة، يهيىء فكره وعقله، مخاطبا إياهما بـ ( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم ) (العلق: 1 -3) .

ثم هـيأ روحه ودواخله آمرا إياه أن : ( قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا * إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) (المزمل: 2 -5) .

وبعد ذلك هـيأ له راية الإبلاغ تبشيرا وتنذيرا، فأمره أن: ( قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر ) (المدثر: 2 -5) .

والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدأ مع أهله، ثم أصدقائه وأخلائه، ثم عشيرته، ثم انطلق وصدع، وهذا تمرحل طبيعي.

وفي أثناء ذلك عكف يربي فئة خيرة سابقت العالمين إلى الإيمان به واعتناق الدين الذي جاء به، والالتزام بمفاهيمه وقيمه وتعاليمه، لينطلق بهم في الأرجاء، ينشر الدين ويدعو إلى الديان رب العالمين.

ولقد كان الصحابة الأولون مثلا في التقوى والالتزام، والتخلق بخلق الإسلام، قل من يأثم أو يظلم، أو ينحرف أو يحيد، أو يذنب أو يكيد.

ولكن لما كثر المؤمنون، وانبسطت تعاليم الإسلام في البلدان والأمصار، كثر المذنبون والآثمون، وكثر أيضا المتقون الطائعون. [ ص: 81 ]

ولن نقول بكراهة نشر الدين مخافة دخول الذين سيذنبون أو يعصون بحجة أنهم سيسيئون إلى الإسلام، فالإسلام دعوة عالمية، محفوظة بحفظ الله، يجب أن تبلغ العالمين، ورسالة مطلقة عن الأشخاص والأزمان والأمكنة: ( إن هـو إلا ذكر للعالمين ) (التكوير: 27) ..

( وما هـو إلا ذكر للعالمين ) (القلم: 52) ..

( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (الأنبياء: 107) ..

( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) (سبأ: 28) .

إذن الأصل هـو انفتاح الدعوة على الأمة لا الصفوة.. وأما الصفوية فهي مرحلة ضرورية، ولكنها عارض، تزول بانبساط الدين في الأرجاء وتهيئة الأجواء، ودخول الأفواج [1] .

ومجتمع المدينة كان يضم أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، رضي الله عنه ، وأيضا ضم أمثال عبد الله بن أبي رأس النفاق.. وهذا هـو الأصل الذي يجب أن يتوقعه الدعاة، ويجب أن يتعاملوا معه.

فينبغي أن يكون الخطاب الدعوي اليوم خطاب أمة لا خطاب صفوة.. خطاب جماهير لا نخبة، يتخذ الانفتاحية بديلا عن الانغلاقية والصفوية التي اتسمت بها بعض الدعوات الإسلامية المعاصرة. [ ص: 82 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية