الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

من مرتكزات الخطاب الدعوي في التبليغ والتطبيق

الأستاذ / عبد الله الزبير عبد الرحمن

الفرق بين مجتمع الكفر والإسلام

الفرق كبير وشاسع، وشتان بين مجتمع الإيمان ومجتمع الكفر، والذي بينهما هـو الذي بين الحق والباطل، وبين الطيب والخبيث، والخير والشر، والهدى والضلال.

ذاك مجتمع شركي كفري، تخطف الريح أفراده وترمي بهم في مكان سحيق، يتمرغون في تراب الكفر والتيه، ويتخوضون في مستنقعات العمى والضلال الآسنة.

ذاك مجتمع لا يقوم على أمر حكيم، ولا يسير إلى الله على طريقه المستقيم.. بينما مجتمع الإسلام يؤمن بالله ربا وإلها، ويعبده كما أمر، ويسير إليه على منهاجه وطريقه المرسوم لهم، وإن زلت أقدام بعضهم، أو تاه بعضهم، أو انحرفوا عن الاستقامة عليه، أو تعثروا في الخطى والمسير..

شتان بين من يؤمن وبين من لا يؤمن.. بين من يؤمن ويخطئ، وبين من يكفر وينحرف.. بين من يخطئ ويستغفر، وبين من يخطئ ولا يستغفر.. بين من يذنب فيتوب، وبين من يذنب ويصر على ذنبه. [ ص: 45 ]

مجتمع الكفر لا يبتغي الحق ولا يسعى إليه، ومجتمع الإسلام لا يقوم إلا على الحق، ولا يسعى إلا إليه.. مجتمع الكفر ينطلق من الدنيا وينتهي إليها، ومجتمع الإسلام ينطلق في الدنيا من الدين، ويعيش في الدنيا للآخرة.. مجتمع الكفر غالب أفراده مذنبون منحرفون مجرمون، ومجتمع الإسلام، القلة من أفراده قد يكونون كذلك.

فهل يستويان مثلا؟

قد أجاب رب العزة عن هـذا بقرآن عزيز يقول فيه: ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون ) (القلم: 35-36) .

ويقول تعالى: ( وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون ) (غافر: 58) .

ويقول أيضا: ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ) (ص: 28) .

هذا ولو افترضنا أن إحسان الكافر في أمور الدنيا يغلب إحسان المؤمن، فلا يسوى به أبدا، واسمع إن شئت قول الله في ذلك: ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين * الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هـم الفائزون ) (التوبة: 19 -20) . [ ص: 46 ]

والمجتمعات إنما يحكم عليها بالصلاح أو الفساد، بالخير أو الشر، لغلبة أحدهما على الآخر، وليس بانفراده وانعدام غيره، ومعلوم أن الحكم يناط دائما بالغالب.

فحين نقول: مجتمع الخير، ليس معنى ذلك أن الشر معدوم فيه، غير كائن ولا موجود، وإنما نعني أن الخير كثير غالب، وأن الشر قليل نادر، لا خطر له ولا تأثير.

ومن هـنا حكم الله على الأحياء والأشياء، فينفي مثلا عن أهل الكتاب الإيمان، لكثرة الفاسق ين فيهم وغلبتهم، مع وجود المؤمنين،

فيقول: ( ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ) (آل عمران: 110) ،

نفى الله عنهم الإيمان مع أن منهم الصالحين المؤمنين، أهل القيام والذكر والطاعة، المسارعين في الخيرات

كما أخبر عنهم في قوله: ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ) (آل عمران: 113 -114) .

وعندما حكم على الخمر بالفساد والطلاح والإثم، إنما كان ذلك لغلبة الإثم ورجحان المفاسد والمضار، مع أن للناس فيها منافع، غير أنها تقل عن الآثام والمفاسد المترتبة على شربها،

فقال تعالى: ( يسألونك عن [ ص: 47 ] الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) (البقرة: 219) .

وعلى هـذا، فالمجتمع الإسلامي مجتمع يضم بين أفراده مراتب من المسلمين، وطبقات من المؤمنين، منهم قوي الإيمان، التقي، الورع، الصوام، القوام، صاحب الذكر، كثير النوافل والفضائل.. ومنهم ضعيف الإيمان، كثير الذنوب، الخطاء، الذي قد يرتكب الكبائر.. وبينهما المقتصد في الذكر والطاعة، الخالط للعمل الصالح بالعمل السيء.. وفي كل خير، وفي الحديث: ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير ) [1] .

التالي السابق


الخدمات العلمية