الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
المقدمـة

أحمد الله العظيم أن جعلنا أمة بالإسلام سائرة، وطائفة بالتوحيد وعلى الحق قائمة، وثلة لتمكين الدين ساهرة، وأصلي وأسلم على صفوة الأنبياء، وقدوة الأصفياء، سيد التقاة، وإمام الدعاة، الرسول الخاتم الذي أدى الأمانة، وبلغ الرسالة.

وبعد:

فإن أساليب الدعوة إلى الله أوشكت أن تصل إلى حد النضوج، بعد أن سارت أمدا طويلا تلقائية عفوية، يقوم على أمرها كل غيور متحمس، دونما انطلاق من فقه عليم، أو منهج مدروس، ظنا منه أنه يقدم الإسلام بأحسن مقال، أملا في الدخول في زمرة من قيل فيهم: ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) (فصلت: 33) .

غير أن هـذه العفوية والتلقائية، لم تنضج أساليب الدعوة كما ينبغي، ولم تؤت ثمارها كما يراد لها.. وما ذلك إلا لافتقاد الأصول التي يجب أن تبنى عليها الدعوة، والفقه الذي يجب أن يسعى على متنه كل داعية هـمام يبشر بالإسلام. [ ص: 39 ]

لهذا كان فرضا على من تعين عليه التصدي لأمر الدعوة، أن يجتهد في الأخذ بأسبابها،والسعي لاكتساب فنها، والتشرب بفقهها، حتى يكون ذا مهارة ودراية قبل أن يدعو عن هـواية.

إن الداعي لهذا الموضوع في هـذا الأوان، أن المسلمين من هـذا الجيل صحوا بعد سبات،وعقلوا بعد غفلة، فنهضت فيهم صحوة تنبهوا فيها على قصورهم الدعوي وتقصيرهم البلاغي، وتلمسوا مواطن الداء، فصار كل يجتهد، وكل يسلك سبيلا، ويركب وسيلة، دون تحديد بصير للوصفات الناجعة، التي تبري الجروح، وتنقي القروح من على جسد الدعوة.

فالكثير صار داعية، دونما أدوات أو مقومات، ففشا الخلط بين الوسائل والمقاصد، وبين الأهداف والمناهج، وانتشرت الفوضى الدعوية بين المنتسبين إلى الدعوة، مما تطلب بذل مجهود ما للتفصيل في المرتكزات الأساس للخطاب الدعوي، والتأصيل لقواعد وأصول انطلاق الدعوة إلى حيث النجاح والفلاح والإصابة، على شيء من العصمة أو تقليل الزلل، فكانت هـذه السطور لعلها تعطي نتفا من فقه الدعوة إلى الله، تعين على بسط الحق، وبث الخير، ونثر الفضيلة في الأرجاء. [ ص: 40 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية