الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

من مرتكزات الخطاب الدعوي في التبليغ والتطبيق

الأستاذ / عبد الله الزبير عبد الرحمن

وجوه التيسير في العبادات والتكاليف

ويتجلى ارتكاز التشريع والتكليف على أصل التيسير، ونبذ التعسير في شريعة الإسلام، من وجوه يحصل بها التيسير في الطاعات والعبادات، من ذلك:

1- تقليل التكاليف

فشريعة الإسلام لم تتعسف الناس بتكاليف متكاثفة تثقل كاهلهم بها، وإنما قللت التكاليف تيسيرا عليهم، ولو أن الله تعالى ثقل عليهم، [ ص: 87 ] لما حق لأحد أن يسأل أو يعترض، ولكنه تعالى يسر عليهم، فجعل الصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة -مع أنها في أول الأمر، فرضت خمسين، فقللها تعالى إلى خمس، تعدل في أجرها الخمسين، كما هـو معروف من قصة الإسراء.. والحج في العمر مرة.. والزكاة ربع عشر مال الغني بعد حولان الحول، على ما يفيض عن حاجته.. والصوم أيام معدودات، كما عبر عنه القرآن تدليلا على قلته وخفته.. كل ذلك تيسيرا ورفعا للحرج والمشقة.

2- جعل ما يرغبون فيه طاعة

وذلك، أن شريعة الإسلام سنت للناس في الطاعات ما يرغبون فيه بطبيعتهم، لتكون الطبيعة داعية إلى ما يدعو إليه العقل، فتتعاضد الرغبتان، ولذلك سن تطييب المساجد وتنظيفها، والاغتسال يوم الجمعة، والتطيب فيه، واستحب التغني بالقرآن، وحسن الصوت بالأذان، كما أنه تعالى جعل الزواج طاعة، والجماع مثوبة وأجرا، وفي الصحيح مما ( قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وفي بضع أحدكم صدقة " . قالوا: يا رسول الله! صلى الله عليه وسلم : يأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: " أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا " ) [1] . [ ص: 88 ]

3- إبقاء شيء مما تقتضيه طبيعة أكثر الناس، أو يجدون عند تركه حرجا في أنفسهم

كالسلطان، جعل له الحق في الإمامة.. وصاحب البيت جعل أحق بالإمامة أيضا.

4- ترك ما تختلف به قلوبهم

فيترك بعض الأمور المستحبة لذلك، ومن ذلك ( قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة : " لولا حداثة قومك بالكفر، لنقضت البيت، ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السلام " ) .. ( وفي رواية: لولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية، فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت، وأن ألصق بابه بالأرض ) [2] .

قال النووي في شرح الحديث: " وفي هـذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام.. قال: ومنها: تألف قلوب الرعية وحسن حياطتهم، وأن لا ينفروا، ولا يتعرض لما يخاف تنفيرهم بسببه ما لم يكن فيه ترك أمر شرعي " [3] . [ ص: 89 ]

5- اشتراط القدرة والاستطاعة في التكليف

فلا تكليف إلا بميسور ومقدور، والفعل الذي لا قدرة للمكلف عليه لا يكلف به، وقد قال الله تعالى: ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) (البقرة: 286)

وقال سبحانه: ( لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ) (الطلاق: 7) .

( ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) [4] .

6- التدرج في تشريع ما فيه مشقة

وذلك أنه لا يشرع ما فيه مشقة إلا شيئا فشيئا، كما في " قول عائشة رضي الله عنها : إنما أنزل أول ما نزل منه سور من المفصل فيها ذكر الجنة والنار،حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر، لقالوا لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لا تزنوا، لقالوا لا ندع الزنا أبدا " [5] .

7- تخفيف ما فيه مشقة من العبادات

ولقد خفف الشرع على الناس عبادات كثيرة، بأنواع من التخفيفات، منها: [ ص: 90 ]

- التخفيف بالإسقاط

كإسقاط العبادات عند وجود أعذارها، كإسقاط الصلاة عن الحائض والنفساء.. وعدم وجوب الحج عمن لم يجد طريقا إلا البحر، عندما كان الغالب عدم السلامة.. وعدم وجوب الحج على المرأة إذا لم تجد محرما أو رفقة مأمونة.

- التخفيف بالتنقيص

كقصر الصلاة، وتنقيص ما عجز عنه المريض من أفعال الصلوات، كتنقيص الركوع والسجود إلى القدر الميسور من ذلك.

- التخفيف بالإبدال

كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم.. وإبدال القيام في الصلاة بالقعود والاضطجاع.. وكإبدال الركوع والسجود بالإيماء.. والصوم بالعتق.. وكإبدال بعض أعمال الحج والعمرة بالكفارات عند قيام الأعذار.

- التخفيف بالتقديم

كتقديم العصر إلى الظهر، والعشاء إلى المغرب، في السفر والمطر.. وكتقديم الزكاة على حولها.. والكفارة على حنثها.

- التخفيف بالتأخير

كتأخير الظهر إلى العصر لسبب يقتضيه.. وتأخير رمضان للمريض والمسافر.. وتأخير الصلاة عن وقتها في حق مشتغل بجهاد، أو بإنقاذ غريق أو نحوه.

- التخفيف بالترخيص

كصلاة المتيمم مع الحدث.. وصلاة المستجمر مع فضلة النجو.. وكأكل النجاسات للمداواة.. وشرب الخمر للغصة إذا لم يوجد ما يدفعها.. والتلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه. [ ص: 91 ]

- التخفيف بالتغيير

كتغيير نظام الصلاة للخوف: " أي: صلاة الخوف " [6] .

فالإسلام يراعي أسباب التخفيف، فيخفف على المنتمين إليه، وينظر إلى الأعذار التي يشق على المسلم العبادة بها فيعتبرها، ويبني عليها هـذه التخفيفات والتيسيرات [7] .

التالي السابق


الخدمات العلمية