الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 133 ] تنبيه : اشترط الجبائي لقبول خبر الواحد ، أن يرويه اثنان في جميع طبقاته ، كالشهادة ، أو يعضده دليل آخر ، وهو باطل بما سبق ، والفرق بين الشهادة والرواية ظاهر .

                التالي السابق


                " تنبيه : اشترط الجبائي لقبول خبر الواحد ، أن يرويه اثنان في جميع طبقاته ، كالشهادة ، أو يعضده دليل آخر " ، أي : قال : لا يقبل خبر الواحد إلا بأحد شرطين :

                إما أن يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، اثنان ، ثم عنهما اثنان ، وهلم جرا حتى يصل إلينا .

                أو لا يروى كذلك ، لكن يعضده دليل آخر من نص ، أو عمل بعض الصحابة ، أو قياس . كما أن الشهادة لا بد فيها من اثنين ، اعتبارا للرواية بالشهادة ، وهذا معنى قولنا في " المختصر " : " أن يرويه اثنان في جميع طبقاته " .

                والشيخ أبو محمد - رحمه الله - قال : ذهب الجبائي إلى أن خبر الواحد إنما يقبل ؛ إذا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، اثنان ، ثم يرويه عن كل واحد منهما اثنان ، وقاسه على الشهادة .

                قلت : لكن هذا خارج عن مذاهب الفقهاء في شهادة الفرع على الأصل ؛ فإنهم ، أو أكثرهم ، لم يشترطوا أن يشهد على كل أصل فرعان ، بل يكفي أن يشهد على شاهدي الأصل شاهدا فرع . هذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد . وفي قول للشافعي : يشترط لكل أصل فرعان ، وهو قول ابن بطة من أصحابنا .

                فمقتضى اعتبار الرواية بالشهادة ما ذكرناه في " المختصر " ، أن يرويه اثنان ثم ، [ ص: 134 ] عن كل اثنين اثنان . وأن ما ذكره الشيخ أبو محمد شيء ، يذكر نحوه عن الحاكم أبي عبد الله ، أن البخاري إنما أخرج الحديث الذي يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولذلك الصحابي راويان ثقتان عنه لذلك الحديث ، ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور ، وله رواة ثقات ، ثم يكون شيخ البخاري حافظا متقنا .

                قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي : وهذا الذي ذكره الحاكم ، من أن البخاري اشترط رواية عدلين عن عدلين ، ليس بصحيح ، ولكنه ظن ذلك ، فلم يصب .

                قوله : " وهو باطل " ، أي : ما اشترطه الجبائي باطل ، بما سبق من الأدلة على قبول خبر الواحد ، وهي أعم مما ذكر ، " والفرق بين الرواية والشهادة ظاهر " ، وذلك من وجهين :

                [ ص: 135 ] أحدهما : أن الشهادة دخلها التعبد ، حتى لا يقبل فيها النساء ليس معهن رجل ، وإن كثرن في باقة بقل ، إلا في موضع مخصوص للضرورة ، وهو ما لا يطلع عليه الرجال .

                الوجه الثاني : أن الشهادة على معين ؛ فاحتيط له ، بخلاف الرواية ؛ فإنها في جملة أحكام الناس ، وينبني عليها القواعد الكلية ؛ فالمسلم العاقل لا يتجرأ في مثلها على الكذب ، لعظم الخطر فيها ، ولذلك اعتبر في الشهادة بالزنى أربعة ، دون الرواية فيه .

                ثم ما ذكره الجبائي - على ما فسره الشيخ أبو محمد في مذهبه - يوجب أن يتعذر علينا إثبات حديث أصلا ، وعلى ما فسرناه نحن يقتضي أن يتعطل كثير من الأحاديث ، إذ وجود ذلك الشرط نادر أو قليل ، وإذا كان الظن مناط التعبد ، لم يحتج إلى هذا التبدع .




                الخدمات العلمية