الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 215 ] وإنكار الشيخ الحديث غير قادح في رواية الفرع له ، وهو قول مالك والشافعي ، وأكثر المتكلمين ، وخالف الحنفية . لنا : عدل جازم ؛ فتقبل روايته ، ويحمل إنكار الشيخ على نسيانه ، جمعا بينهما ، وقد روى ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قضى باليمين مع الشاهد . ثم نسيه سهيل ؛ فكان بعد يقول : حدثني ربيعة ، عني ، أني حدثته ولم ينكره أحد من التابعين . قالوا : هو فرع لشيخه في الإثبات ؛ فكذا في النفي . وكالشهادة . قلنا : ممنوع بما ذكرنا ، وباب الشهادة أضيق ؛ فيمتنع القياس .

                التالي السابق


                قوله : " وإنكار الشيخ الحديث غير قادح في رواية الفرع له " ، إلى آخره .

                اعلم أن إنكار الأصل لرواية الفرع : إما أن يكون مع الجزم بالإنكار ، أو مع التردد فيه .

                فإن كان مع الجزم ؛ فإما أن يكون إنكار تكذيب للفرع ، أو لا ، فإن كان إنكار تكذيب للفرع ؛ فحكى الآمدي الإجماع على أنه لا يقبل ؛ لأن كل واحد منهما يكذب الآخر ؛ فأحدهما كاذب ، لا بعينه .

                وإن لم يكن إنكار تكذيب ، أو كان إنكار الأصل غير جازم ، بل كان شاكا في رواية الفرع ؛ فهو غير قادح فيها ، ويجب قبوله والعمل به عندنا ، و " هو قول مالك ، والشافعي ، وأكثر المتكلمين ، وخالف الحنفية " ؛ فقالوا : لا يقبل . هكذا يحكي بعض الأصوليين الخلاف مع الحنفية ، ومذهبهم على ذلك ، لردهم حديث ربيعة [ ص: 216 ] بن أبي عبد الرحمن في الحكم بشاهد ويمين .

                والمذكور في " الروضة " و " المنتهى " ، و " التنقيح " أن الخلاف مع الكرخي منهم . قال القرافي : مذهب أكثر أصحابنا والشافعية والحنفية : إذا شك الأصل في الحديث ، لا يضر ذلك ، خلافا للكرخي .

                قوله : " لنا : عدل جازم " ، إلى آخره . هذا دليل على قول الأكثرين .

                وتقريره : أن الفرع عدل جازم بالرواية عن الأصل ؛ فتقبل روايته عنه . وأما إنكار الشيخ للرواية ؛ فيحمل على نسيانه ، أي : على أنه نسي أنه حدثه جمعا بينهما أي : بين جزم الفرع بالرواية ، وإنكار الشيخ لها .

                وقد روى ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قضى باليمين مع الشاهد ، ثم نسيه سهيل ، [ ص: 217 ] فكان بعد ذلك يقول : حدثني ربيعة عني ، أني حدثته عن أبي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، ولم ينكره أحد من التابعين فيكون ذلك إجماعا .

                فإن قيل : لعل سهيلا تذكر الحديث برواية ربيعة عنه ، ومراجعته له في ذلك ؛ فتخرج قصته عن الاحتجاج بها في محل النزاع .

                قلنا : لو كان كذلك ، لما رواه بعد ذلك عن ربيعة ، عنه ، بل كان يرويه كما لو لم ينس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، والنسيان متسلط على الإنسان ؛ فيحمل الحال عليه ، وقد صنف الخطيب البغدادي جزءا فيمن حدث ونسي ، لكثرة وقوع ذلك منهم .

                قوله : " قالوا " هذا دليل الخصم ، أي : قالوا : الفرع تبع لشيخه في إثبات الحديث ، بحيث إذا أثبت الشيخ الحديث ، ثبت برواية الفرع ؛ فكذلك يجب أن يكون فرعا عليه ، وتبعا له في النفي ، بحيث إذا نفاه الشيخ ، تنتفي رواية الفرع له ، وكالشهادة ، فإن شاهد الأصل إذا أنكر الشهادة ، أو تردد فيها ، بطلت شهادة الفرع .

                قوله : " قلنا : ممنوع بما ذكرنا ، وباب الشهادة أضيق ؛ فيمتنع القياس " . هذا جواب دليلهم .

                وتقريره : أن ما ذكرتموه من أنه فرع على الشيخ في النفي ، بالقياس على الإثبات ، ممنوع بما ذكرنا ، من أنه عدل جازم بالرواية ، والجمع بين روايته ، وإنكار الشيخ ، ممكن بما سبق ، ولا يلزم من كونه فرعا في الإثبات ، أن يكون فرعا في النفي .

                وأما القياس على الشهادة ؛ فغير صحيح ؛ لأن باب الشهادة أضيق من باب الرواية ، بدليل أن شهادة الفرع لا تسمع مع القدرة على شهادة الأصل ، والرواية [ ص: 218 ] بخلاف ذلك ، وبين البابين فروق كثيرة ، وحينئذ يمتنع القياس ؛ لأن شرطه استواء الأصل والفرع ، من الجهة التي لأجلها القياس .




                الخدمات العلمية