الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4987 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال: حدثنا يوسف بن يعقوب قال: حدثنا محمد بن المنهال قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا يونس، عن الحسن، عن أمه: أن أم سلمة "كانت تغسل بول الجارية ما كان، ولا تغسل بول الغلام، حتى يطعم تصب عليه الماء صبا".

4988 - قال الشيخ أحمد: هذه الآثار لم تبق، لمتأول تأويلا في تركها، ومن زعم أن النضح المذكور فيه المراد به الغسل، واستدل على ذلك بورود النضح في مواضع أريد به فيها الغسل، لم يفكر في رواية مالك، عن الزهري حين قال: "فنضحه، ولم يغسله"، ولا في قوله في رواية ابن نمير، عن هشام، "فأتبعه بوله، ولم يغسله"، ولا في رواية أم الفضل حين رد عليها قولها، حتى أغسله في الغلام، وأثبته في الجارية، ولا في رواية أبي السمح: فأرادوا أن يغسلوه، فقال: "رشوه رشا، إنما يغسل بول الجارية، ويرش بول الغلام"، ولا في أثر علي، وأم سلمة، وفي كل واحد، من هذه الآثار رد ما قال: ثم في اشتراط كونه رضيعا، لم يأكل الطعام [ ص: 378 ] ، إذ لا تأثير لهذا الشرط، فيما حمل عليه الخبر، ولا فيما فرق فيه بين الغلام، والجارية، بأن بوله يكون في موضع واحد، لضيق مخرجه، وبول الجارية يتفرق لسعة مخرجها، فأمر في الغلام بصب الماء في موضع واحد، وفي الجارية، بأن يتبع بالماء في مواضعه، والمراد بهما الغسل، لأن مخرجه، قبل أكل الطعام، وبعده واحد، وقد يتفرق بول الصبي في الخروج، فيتفرق في مواضع، وترسله الجارية إرسالا، فيجتمع في موضع واحد، فهذا تأويل بعيد لا يستقيم مع استقصاء هؤلاء الرواة في أداء ما حملوه، وفرقهم في الغسل، وترك الغسل بين الغلام، والجارية، وفرقهم بين الصبي، الذي أكل الطعام، والذي لم يأكل في وجوب الغسل، وجواز الرش، وبالله التوفيق.

4989 - قال الشيخ أحمد: وقد حكى المزني في المختصر الصغير عن الشافعي، أنه قال: ولا يتبين لي فرق بينه، وبين بول الصبية، ولو غسل كان أحب إلي.

4990 - فذهب وهم بعض أصحابنا، إلى أنه أراد به، جواز الرش على بول الصبي، وليس كما ذهب إليه، وإنما أراد تعليق القول في وجوب غسل بول الصبية، وذلك بين في حكايته في الكبير.

4991 - قال الشافعي في الكبير: ولا يتبين لي في بول الصبي، والجارية، فرق من السنة الثابتة، ولو غسل بول الجارية، التي أكلت الطعام، أو لم تأكل، كان أحب إلي احتياطا، وإن رش ما لم تأكل الطعام أجزأه، إن شاء الله.

4992 - وإنما قال هذا، لأن الحديث الثابت في ذلك حديث عائشة، وأم قيس بنت محصن، وليس في حديثهما ذكر الصبية، فأشبه أن يكون بولها قياسا، على بول الصبي .

[ ص: 379 ] 4993 - ولم يثبت عند الشافعي، حديث أم الفضل، وأبي السمح، ولا حديث علي، حتى يفرق بحديثهم بين بول الصبي، والصبية ، ولذلك قال الشافعي: من السنة الثابتة.

4994 - وكذلك لم يثبت حديثهم عند البخاري، ومسلم على ما رسما في كتابيهما، فلذلك اقتصرا على إخراج حديث عائشة، وأم قيس في الصحيحين دون حديثهم.

4995 - وقد ثبتت أحاديثهم عند أبي داود السجستاني، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وغيرهما من الحفاظ، فأخرجوها في كتبهم، وشرائط الصحة عند أهل الفقه، موجودة في رواتها، ومع أحاديثهم: قول أم سلمة، ومع قول أم سلمة، قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو إمام من أئمة الهدى، إن لم يثبت رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقولانه في الظاهر، إلا توفيقا.

4996 - فالنظر يدل على ما قال الشافعي على أن رفع حديثه أقوى، من وقفه، لزيادة حفظ هشام الدستوائي على سعيد بن أبي عروبة، فالحجة به قائمة، والفرقان بذلك بين بوليهما حاصل، وبالله التوفيق.

4997 - وقد قرأت في كتاب العلل، لأبي عيسى الترمذي، أنه سأل محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث، فقال:

4998 - سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه، وهشام الدستوائي رفعه، وهو حافظ.

[ ص: 380 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية