[ استيلاء صالح للإمامة ] .
453 - فأما إذا ، وليقع الفرض فيه إذا كان أصلح الناس لهذا المنصب . كان المستظهر صالحا للإمامة
فالقول في هذا القسم ينقسم قسمين :
أحدهما - أن يخلو الزمان عمن هو من أهل الحل والعقد .
والثاني - أن يكون في الزمان من يصلح للعقد والاختيار .
فإن لم يكن في الزمان من يستجمع صفات أهل الاختيار ، وكان الداعي إلى اتباعه على الكمال المرعي ، فإذا استظهر بالقوة ، وتصدى للإمامة ، كان إماما حقا ، وهو في حكم العاقد والمعقود له .
والدليل على ذلك أن الافتقار إلى الإمام ظاهر . والصالح للإمامة واحد ، وقد خلا الدهر عن أهل الحل والعقد ، فلا وجه لتعطيل الزمان عن وال يذب عن بيضة الإسلام ، ويحمي [ ص: 318 ] الحوزة ، وهذا مقطوع به لا يخفى دركه على من يحيط بقاعدة الإيالة .
454 - فأما إذا اتحد من يصلح ، وفي العصر من يختار ويعقد ، فهذا ينقسم قسمين :
أحدهما - أن يمتنع من هو من أهل العقد عن الاختيار والعقد ، بعد عرض الأمر عليه على قصد ، فإن كان كذلك فالمتحد في صلاحه للإمامة يدعو الناس ، ويتعين إجابته واتباعه على حسب الاستطاعة بالسمع والطاعة .
ولا يسوغ الفتور عن موافقته - الحالة هذه - في ساعة ، ووجود ذلك الممتنع عن العقد وعدمه بمثابة واحدة ، وإذا لم يكن [ للذي ] أبدى امتناعا عذر في امتناعه ، وترك موافقة المتعين للأمر واتباعه .
[ فالأمر ] ينتهي إلى خروجه عن أن يكون من أهل هذا الشأن ، لما تشبث به من التمادي في الفسق والعدوان ، فإن تأخير ما ( 169 ) يتعلق بالأمر الكلي في حفظ خطة الإسلام تحريمه واضح بين ، وليس التواني فيه بالقريب الهين . فهذا أحد قسمي الكلام .
[ ص: 319 ] 455 - والثاني - ألا يمتنع من هو من أهل الاختيار .
ولكن هل يتوقف ثبوت الإمامة - والأمر مفروض في اتحاد من يصلح لها - على العقد أو على العرض على العاقد .
هذا مما اختلف فيه الخائضون في هذا الفن : فذهب ذاهبون إلى أنه لا بد من العقد ، فإنه ممكن ، وهو السبب في إثبات الإمامة .
456 - والمرضي عندي أنه لا حاجة إلى إنشاء عقد ، وتجريد اختيار وقصد .
والسبب فيه أن الزمان إذا اشتمل على عدد معين ممن يصلح لمنصب الإمامة ، فلا بد من اختيار يعين واحدا منهم ، إذ ليس بعضهم أولى من بعض ، فلو لم نقدر اختيارا مع وضوح وجوب اتخاذ الإمام ، لأفضى ذلك إلى النزاع والخصام ، فلا أثر للاختيار والعقد والإيثار إلا قطع الشجار ، وإلا فليس الاختيار مفيدا تمليكا ، أو حاكما بأن العاقد في إثبات الإمامة يصير شريكا .
فإذا اتحد [ ص: 320 ] في الدهر ، وتجرد في العصر من يصلح لهذا الشأن ، فلا حاجة [ إلى ] تعيين من عاقد وبيان .
والذي يوضح الحق في ذلك أن الأمر إذا تصور كذلك فحتم على من إليه الاختيار عند من يراه في هذه الصورة أن يبايع ويتابع ويختار ويشايع ، ولو امتنع ، لاستمرت الإمامة على الرغم منه فلا معنى لاشتراط الاختيار ، وليس إلى من يفرض عاقدا اختيار .
فإذا تعين المتحد في هذا الزمان لهذا الشأن يغنيه عن تعيين وتنصيص ، يصدر عن إنسان .
457 - وتمام الكلام في هذا المرام يستدعي ذكر أمر : وهو أن الرجل الفرد وإن استغنى عن الاختيار والعقد ، فلا بد من أن يستظهر ( 170 ) بالقوة والمنة ، ويدعو الجماعة إلى بذل الطاعة فإن فعل ذلك فهو الإمام على أهل الوفاق والاتباع ، وعلى أهل الشقاق والامتناع .
[ ص: 321 ] 458 - وإن لم يكن مستظهرا بعدة ونجدة ، فالكلام في ذلك يرتبط بفنين : أحدهما - أنه يجب على الناس اتباعه ، لتعينه لهذا المنصب ، ومسيس الحاجة إلى [ وزر ] يرمق في أمر الدين والدنيا ، فإن كاعوا ، وما أطاعوا - عصوا .
ولنفرض هذا فيه إذا عدمنا من نراه أهلا للعقد والاختيار ، فليس في الناس من يتصدى لهذا الشأن ، حتى يقال : يتوقف انعقاد الإمامة على صدور الاختيار منه ، فعلى الناس كافة أن يطيعوه إذا كان فريد دهره ، ووحيد عصره في التصدي للإمامة .
459 - فإذا دعا الناس إلى الإذعان له والإقران ، فاستجابوا له طائعين ، فقد اتسقت الإمامة ، واطردت الرياسة العامة .
460 - وإن أطاعه قوم يصير مستظهرا بهم على المنافقين عليه والمارقين من طاعته - تثبت إمامته أيضا .
[ ص: 322 ] 461 - وإن لم يطعه أحد أو اتبعه ضعفاء لا تقوم بهم شوكة ، [ فهذه ] الصورة تضطرب فيها مسالك الظنون ، وتقع من الاحتمالات على فنون .
462 - فيجوز أن يظن ظان أن الإمامة لا تثبت إذ لم يجر عقد من مختار ، ولا طاعة تفيد عدة ، ومنة تنزل منزلة الاختيار .
وقد قدمنا في أحكام الأئمة أن الإمام إذا انصرف الخلق عن متابعته ومشايعته ، كان ذلك كوقوعه في أسر يبعد توقع انفكاكه عنه .
نعم ، تعصي الخلائق في الصورة التي نحن فيها لمخالفة من [ توحد ] لاستحقاق التقدم . وسبب تعصيتهم تقاعدهم عن نصب إمام يندفع به النزاع والدفاع ، والخصومات الشاجرة ( 171 ) والفتن الثائرة ، وتتسق به الأمور ، وتنتظم به المهمات والغزوات والثغور .
463 - ويجوز أن يصير صائر إلى أنه إمام وإن لم يطع ، وينفذ ما يمضيه من أحكامه على موافقة وضع الشرع ، وليس إضراب الخلق [ عن ] طاعته في هذه الصورة ، كما سبق [ ص: 323 ] تصويره وتقريره فيما تقدم من أبواب الكتاب ، فإن ذاك مفروض فيه إذا سقطت طاعة الإمام ، ووجدنا غيره ، وصغو الناس وميلهم إلى غيره .
فالذي يليق باستصلاح الراعي والرعية نصب من هو شوف النفوس .
والذي نحن فيه مصور فيه إذا تفرد في الزمان من يصلح للإمامة ، فإذا كان كذلك تعينت طاعة مثل هذا على الناس كافة ، ولا معنى لكون الإمام إماما إلا أن طاعته واجبة .
وهذا الذي فيه الكلام بهذه الصفة ، فهو إمام يجب اتباعه فتنفذ إذا أحكامه .
464 - وهذا متجه عندي واضح . والأول ليس بعيدا أيضا ، فإن قاعدة الإمامة الاستظهار بالمنة ، والاستكثار بالعدة والقوة ، وهذا مفقود في الذي لم يطع .
فهذا أحد الفنين .
465 - والفن الثاني من الكلام أن الذي تفرد بالاستحقاق يجب عليه أن يتعرض للدعاء إلى نفسه ، والتسبب إلى تحصيل الطاعة ، والانتهاض لمنصب الإمامة ، فإن لم يعدم من يطيعه ، [ ص: 324 ] وآثر التقاعد ، والاستخلاء لعبادة الله [ عز وجل ] مع علمه بأنه لا يسد أحد مسده - كان ذلك عندي من أكبر الكبائر ، وأعظم الجرائر ، وإن ظن ظان أن انصرافه وانحرافه سلامة ، كان ما حسبه باطلا قطعا ، والقيام بهذا الخطب العظيم إذا كان في الناس كفاة في حكم فرض الكفاية ، فإذا استقل به واحد ، سقط الفرض عن الباقين .
وإذا توحد من يصلح له صار القيام به فرض عين .
وسنعود إلى تقرير ذلك في أثناء الباب ، ونأتي بالعجب العجاب ، إن شاء الله عز وجل .
466 - ثم إن اجتنب وتنكب ، ولم يدع إلى نفسه ، لم يصر بنفس استحقاقه إماما ، باتفاق العلماء أجمعين .
فهذا بيان المراد فيه إذا استولى من هو صالح للإمامة ، وكان فريد الدهر في استحقاق هذا المنصب .