الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        209 - والشكوى إلى الله ثم إلى كل محصل مميز ، من تصانيف [ ص: 141 ] ألفها مرموق ، متضمنها ترتيب وتبويب ، ونقل أعيان كلام المهرة الماضين ، والتنصيص على ما تعب فيه السابقون ، مع خبط كثير في النقل وتخليط ، وإفراط وتفريط ، لا يرضى بالتلقب بالتصنيف مع الاكتفاء بالنقل المجرد حصيف ، ثم من لم يكن في تأليفه وتصنيفه على بصيرة ، لم يتميز له المظنون عن المعلوم ، والتبست عليه مسالك الظنون بمدارك العلوم ، وإنما جر هذه الشكاية نظري في كتاب لبعض المتأخرين مترجم بالأحكام السلطانية ، مشتمل على حكاية المذاهب ، ورواية الآراء والمطالب ، من غير دراية وهداية ، وتشوف إلى مدرك غاية ، وتطلع إلى مسلك يفضي إلى نهاية ، وإنما مضمون الكتاب نقل [ ص: 142 ] مقالات على جهل وعماية ، وشر ما فيه وهو الأمر المعضل الذي يعسر تلافيه ، سياقة المظنون والمعلوم على منهاج واحد ، وهذا يؤدي إلى ارتباك المسالك ، واشتباك المدارك ، والتباس اليقين بالحدوس ، واعتياص طرائق القطع في هواجس النفوس .

        210 - ومن الأحكام المشكلة في سبل الظن في هذا الفن ، أن المعهود إليه متى يدخل وقت قبوله العهد ؟ اختلف العلماء في ذلك ، فذهب ذاهبون إلى أنه يدخل أوان القبول بموت المولي ، كما يدخل وقت قبول الوصاية بموت الموصي ، ووجه ذلك أنه لا يملك المولى صاحب العهد أحكام الزعامة والإمامة ، ولا يستقل بالإيالة والسياسة ، ما دام المولي العاهد حيا ، فلا معنى للقبول في حال حياته كالوصاية .

        211 - وصار صائرون إلى أنه يقبل في حياة العاهد ; فإن تولية العهد من عظائم الأمور ، وإنما يعهد الإمام إلى مستجمع لشرائط [ ص: 143 ] الإمامة ، نظرا للمسلمين ، واستيثاقا في الدين ، وسكونا إلى إعداد وزر وملاذ ، وركونا إلى اعتاد موئل ومعاذ ، وإنما يتم هذا الغرض بأن تلزم التولية في حياته ، فيقدر وفاته والإمامة معقودة ، وساحة للإمام مورودة مصمودة ، فيجر في الإمامة أذيالها ، ولا تنتثر أحوالها .

        212 - وينبني على هذا الخلاف أمر خلع المعهود إليه ، فمن أخر القبول إلى ما بعد الموت ملك المولي صرف المعهود إليه ، كما يصرف الموصي الموصى إليه .

        ومن نجز القبول منع خلع المعهود إليه من غير سبب يقتضيه ، وصير الإمام العاهد كالمختار العاقد ، ومعلوم أن من صح منه عقد الإمامة من أهل الاختيار لم يملك الخلع على حكم الإيثار ، فكذلك القول في المولي العاهد ، مع [ المولى ] المعهود إليه ، وينقدح في ذلك للخلاف وجه فإن الإمامة ما تمت بعد لولي العهد بخلاف من عقد له الإمامة أهل الاختيار .

        [ ص: 144 ] 213 - والأظهر منع الخلع من غير سبب يوجبه .

        214 - ولو عين الإمام من ليس على شرائط الإمامة ، ولكنه علق التولية على استجماع الصفات المرعية ، فالوجه بطلان التولية من جهة أنه أساء في الاختيار ، والغرض من العهد تنجيز نظر ، وكفاية للمسلمين هواجم خطر عند موت المولي على أقصى الإمكان في الحال والأوان .

        215 - وليس ذلك مقطوعا به أيضا فللاحتمال عند انعدام القواطع ، وانحسام البراهين السواطع مضطرب رحب ، وللظنون مجر وسحب .

        216 - ومن قال : ممن يصلح للخلافة : إذا أفضت الخلافة إلي ، فولي عهدي فلان ، ثم انتهت إليه النوبة ، لم يكن لما صدر منه قبل الخلافة وقع في وضع الشرع . وهذا متفق عليه ، على البت والقطع ، فإنه تصرف وليس إليه من الأمر شيء .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية